2/اللاتمركز الإداري دعامة أساسية في إنجاح الجهوية المتقدمة(2


إعداد: رشدي عبدالعزيز

 دكتور في القانون العام

باحث في قضايا التعمير والإدارة المحلية

المبحث الثاني : مدى مساهمة اللاتمركز الإداري في ترسيخ الجهوية المتقدمة وتحديات التفعيل

  تفعيلا لخيار اللامركزية و اللاتمركز فإن السياسات العمومية على المستوى الجهوي أضحت تشكل أهم شكل من أشكال التدبير الترابي المعتمدة، وذلك في إطار الجهوية المتقدمة كإطار عام توجه حاسم للدولة المغربية في تنظيمها الترابي الذي يؤهل لضبط ورصد وتقييم السياسات العمومية وعلاقة السلطة بالإدارة وفق المفهوم الجديد للسلطة، ومن خلال تخطي الدور الاعتيادي للإدارة والمؤسسات العمومية نحو نهج نمط رشيد في التدبير العمومي. خصوصا وأن البعد الترابي للمملكة كما سطره الدستور يقوم في جوهره على الديمقراطية التشاركية ، حيث يسعى إلى تعبئة مختلف الفاعلين للمساهمة في بلورة مشاريع تنموية وفق سياسة شاملة مكرسة للتنمية المندمجة في سياق الحكامة الجيدة.

 ولتحقيق التنمية الترابية  عمل المشرع  المغربي مؤخرا على توطيد تفعيل نظام اللاتمركز الواسع والملموس،في إطار أقطاب محددة، تفوض لها السلطات المركزية،الصلاحيات والموارد اللازمة،من خلال مقـاربة جهوية مندمجة عن طريق إخراج ميثاق اللاتمركز الإداري،و الذي سيشكل لا محالة دعامة أساسية للجهوية المتقدمة  ( المطلب الأول)،  لكن تفعيل هذا النظام وإنجاحه في نظرنا يبقى رهينا بخلق شروط أساسية كفيلة بإرساء لاتمركز حقيقي وفعال ( المطلب الثاني). 

مساهمة اللاتمركز الإداري في ترسيخ الجهوية المتقدمة

المطلب الأول : مساهمة اللاتمركز الإداري في ترسيخ الجهوية المتقدمة

طبقا لدستور 2011 وكذلك القانون التنظيمي 14.111 المتعلق بالجهات، أصبحت الجهات تتمتع باختصاصات واسعة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبالتالي أصبح مطلوبا منها أن تبتكر آليات ووسائل لإيجاد الحلول للمعضلات التي يعيشها المغرب، حيث تزخر الجهات اليوم بموارد كثير ة سواء على المستوى الطبيعي أو المستوى الثقافي، وبالتالي عندما نتحدث اليوم عن اللاتمركز الإداري فذلك يعني ضرورة حل كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية جهويا ومحليا، إذ يجب على الجهة طبقا للاختصاصات الموكولة لها أن تبحث وأن تبتكر حلولا وأن تسايرها الإدارات اللاممركزة هناك من أجل تحقيق تنمية شاملة على المستوى الجهوي.

فالجهة اليوم أو المجال الترابي الجهوي لم تعد فضاءا يقتصر على  الفعل والخطاب السياسي بل أن دستور 2011 جعل منها  أداة للممارسة المدنية  من خلال الديمقراطية التشاركية، ومجالا أيضا لتفعيل السياسات العمومية وهو ما ترجمه المرسوم المتعلق باللاتمركز  الإداري كالتوطين والالتقائية والتكامل..إلخ.

  ويعتبر اللاتمركز الإداري تنظيما مواكبا للتنظيم الترابي اللامركزي للمملكة القائم على الجهوية المتقدمة، وهو آلية لتفعيل السياسة العامة للدولة على المستوى الترابي، ويهدف على تمكين المصالح اللاممركزة من السلط والوسائل والاعتمادات اللازمة للقيام بالمهام المنوطة بها على المستوى الترابي اتخاذ المبادرة تحقيقا للنجاعة والفعالية.[1]

وتعد الجهة كأعلى مستوى من التنظيم الترابي الفضاء الترابي الملائم لبلورة السياسات العمومية في مجال اللاتمركز الإداري، بالنظر لما تحتله  الجهة من صدارة في التنظيم الإداري للمملكة، وبما يجعلها مستوى بينيا لتدبير العلاقة بين الإدارات المركزية للدولة وبين تمثيلياتها على المستوى الترابي.[2]   

  فقد أصبحت الجهة اليوم إطارا شاسعا للتخطيط وإعداد التراب وإنجاز المشاريع ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية وبذلك يصبح التنسيق ضرورة ملحة في علاج العديد من المشاكل الجهوية، وأصبح دور الوالي طلائعيا في إطار سياسة اللاتمركز الجديدة ، من خلال إرساء مكانة خاصة بمؤسسة الوالي وفصلها عن مؤسسة العامل. 

    فالجهوية المتقدمة أصبحت فضاءا للتخطيط الاستراتيجي، والتقاء  السياسات الترابية المحلية، ووسيلة لإعداد المشاريع والبرامج والمخططات والمشاريع التنموية، وأرضية لبلورة  السياسة الوطنية للاتمركز الإداري، مع تفويض الدور المحوري لوالي الجهة، باعتباره ممثلا للسلطة المركزية بالجهة، من خلال دور تنسيق أنشطة مختلف المصالح، والسهر على حسن سيرها ومراقبتها، تحت سلطة الوزراء المعنيين.

  ولاشك أن الجهة تشكل اليوم المحور الترابي المتميز في تطبيق السياسات الوطنية في ميادين مختلفة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وإعداد التراب، وستكون المستوى الملائم لتنشيط والتنسيق سياسات الدولة المتعلقة بالبيئة والثقافة والمجال القروي، كما أنها المستوى الملائم لتنسيق كل التدخلات التي تقوم بها السلطات الإقليمية المعنية. ومن شأن الجهة أن تكون محورا للبرمجة وتوزيع  اعتمادات الاستثمارات التي تقوم بها الدولة، بالإضافة  على التعاقد في شأن البرامج المتعددة السنوات بين الدولة والجماعات الترابية الأخرى.

 إن الهدف من  تفعيل مرامي ميثاق اللاتمركز الإداري و ربطه بمتطلبات الجهوية المتقدمة،سوف يؤدي إلى عدم تركيز السلطة وتوزيعها بين المستويات الإدارية المختلفة في التنظيم الإداري على مستوى الدولة، حيث بموجبه سوف يتم نقل اختصاصات الإدارة المركزية إلى الإدارات البعيدة عنها جغرافيا،للقيام بمهام معينة عهدت إليهم،و تخويل المصالح الجهوية و الإقليمية صلاحيات اتخاذ القرار وفق آليات تفويض السلطة أو الإمضاء،مما سينجم عنه تخفيف  العبء عن  الإدارات المركزية،و إتاحة سرعة اتخاذ الفرارات على المستوى المحلي عن طريق سهولة التنسيق بين الإدارات،وهذا سيكون نتيجته ارتباط متناغم لورشي الجهوية المتقدمة و اللاتمركز الإداري،تحت رقابة فعالة و في إطار الآليات القانونية لحكامة ترابية تخول للولاة و العمال الصلاحيات اللازمة للسهر على المسايرة و المواكبة الفعلية و المتناسقة.

–          –  المادة 3 من المرسوم رقم  2.17.618 ، مرجع سابق.  [1]

12-  المادة 5 ، المرجع السابق. 

إن الهدف من  تفعيل مرامي ميثاق اللاتمركز الإداري و ربطه بمتطلبات الجهوية المتقدمة،سوف يؤدي إلى عدم تركيز السلطة وتوزيعها بين المستويات الإدارية المختلفة في التنظيم الإداري على مستوى الدولة، حيث بموجبه سوف يتم نقل اختصاصات الإدارة المركزية إلى الإدارات البعيدة عنها جغرافيا،للقيام بمهام معينة عهدت إليهم،و تخويل المصالح الجهوية و الإقليمية صلاحيات اتخاذ القرار وفق آليات تفويض السلطة أو الإمضاء،مما سينجم عنه تخفيف  العبء عن  الإدارات المركزية،و إتاحة سرعة اتخاذ الفرارات على المستوى المحلي عن طريق سهولة التنسيق بين الإدارات،وهذا سيكون نتيجته ارتباط متناغم لورشي الجهوية المتقدمة و اللاتمركز الإداري،تحت رقابة فعالة و في إطار الآليات القانونية لحكامة ترابية تخول للولاة و العمال الصلاحيات اللازمة للسهر على المسايرة
 و المواكبة الفعلية و المتناسقة.

     ويمكن اعتبار أهم المستجدات التي جاء بها الميثاق الوطني  للاتمركز الإداري ، هي تلك المرتبطة بتوزيع الاختصاصات بين السلطة المركزية والمصالح اللاممركزة ، وفي هذا السياق فقد أصبح اللاتمركز القاعدة العامة في توزيع المهام والوسائل بين مختلف المستويات الإدارية التابعة للدولة.

   وبالتالي ستسمح المقاربة الترابية المبنية على مبدأ التفريع بتوزيع الاختصاصات وفقا للتوجه الطبيعي لكل من المستوى المركزي والمحاور الترابية الأخرى، وبهذا التوجه سيتم تركيز اختصاصات المجالس الجهوية على مبدأ التفريع، بمعنى أن الدولة لا يمكن لها أن تمارس في المستقبل إلا  الاختصاصات التي تتلاءم مع طبيعتها كمستوى وطني، وبعبارة أخرى ، يعني هذا المبدأ في عمقه أن السلطة المركزية لا يمكن لها أن تمارس إلا الاختصاصات التي لا يمكن للجهات أن تمارسها بالنظر إلى خصوصية دورها الرئيسي، أو بسبب محدودية الوسائل التي تتوفر عليها.[1]

 فالإدارات المركزية ،بحكم  وظيفتها الانتقالية تستأثر  اليوم بمهام التصور والتوجيه والتنظيم والتسيير والتقييم والرقابة، في حين أن المصالح اللاممركزة أصبحت مهيأة أكثر بمباشرة مهام التسيير، ولذلك ، أصبحت منطقيا تتولى وتتحمل مسؤولية تنفيذ السياسات الحكومية وكل القرارات والتوجيهات المتخذة من طرف السلطة المختصة، وذلك في إطار أقطاب موحدة.

 إن اللاتمركز الإداري سيساهم في تدعيم وتطوير الجهوية المتقدمة وتطوير نظام فعال لإدارة لاممركزة من خلال التالي :

– الانتقال من لاتمركز إداري يغلب عليه طابع إداري ووصائي إلى لا تمركز إداري تقريري ومواكبا للتنمية الاقتصادية في إطار تعاقدي بين المصالح اللاممركزة والمجالس الجهوية ؛

– نهج سياسية جديدة لتدبير الموارد البشرية قوامها تزويد المصالح الجهوية للدولة بالعناصر البشرية المؤهلة والكفأة في مجال التدبير  العمومي لتقديم الدعم الضروري للمؤسسات المنتخبة لاسيما الجهات ؛

– توزيع الاختصاصات والصلاحيات بين السلطة المركزية والمصالح اللاممركزة ، حيث يصبح اللاتمركز القاعدة العامة في توزيع المهام والوسائل بين مجموع المستويات الإدارية التابعة للدولة؛

– إخضاع المصالح اللاممركزة لإشراف الولاة والعمال في كل ما يهم نشاطها المحلي والتنموي على اعتبار أن الهدف ليس التدخل المباشر في شؤون هذه المصالح وإنما قيادتها وتوجيهها جميعها من أجل تحقيق التنمية؛


13– أجلاب رشيد : الخطب الملكية كإطار مرجعي للاتمركز الواسع، ضمن مؤلف التدبير المحلي الحكامة الترابية على ضوء القوانين التنظيمية الجديدة، منشورات مجلة العلوم القانونية، العدد الرابع، مطبعة الأمنية ، الرباط، 2015 ص: 236/237 .

– أقلمة الدولة مع المجال الجهوي، فإذا كان على الجهة أن تمارس مهامها مع الأخذ بعين الاعتبار الدور الأساسي الذي تلعبه الدولة، فعلى الدولة كذلك أن لا تتجاهل الجهة في إعداد سياساتها وبرامجها التنموية.

   فالمرسوم الجديد  مكن المصالح اللاممركزة الجهوية  من  مجموعة  من الاختصاصات، حيث تقوم بالمساهمة في إعداد برنامج عمل الدولة على المستوى الجهوي، تحت إشراف والي الجهة، وضرورة تنشيط المصالح اللاممركزة على مستوى العمالات والأقاليم، وتدعيم علاقات الشراكة بين الدولة والجماعات الترابية.

 وهكذا ووفقا للمادة 15 من المرسوم  الجديد أصبحت المصالح اللاممركزة للدولة  تتولى مهمة السهر على تدبير المرافق العمومية الجهوية للدولة ، وتنفيذ السياسات العمومية، والإسهام في إعداد وتنفيذ البرامج والمشاريع المبرمجة على صعيد الجهة، والقيام أيضا بإعداد وتنفيذ الاتفاقيات والعقود .

كما خولها المرسوم الجديد اختصاصات وصلاحيات أخرى من شأنها تدعيم التنمية الجهوية  بمعظم جهات المملكة ، نذكر منها :

– السهر على تنفيذ الاستراتيجيات الوطنية والقطاعية المعتمدة من قبل الدولة في مختلف مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية؛

– تقديم كل مقترح أو مبادرة من شأنها تطوير الأداء، وتفعيل السياسات العمومية على المستوى الجهوي، والعمل  من أجل ضمان التقائيتها  وتجانسها وتناسقها؛

– السهر على إعداد وتنفيذ الاتفاقيات والعقود المبرمة من أجل إنجاز المشاريع والبرامج العمومية على مستوى الجهة وتتبعها؛

–  اتخاذ جميع التدابير الكفيلة بضمان تعاضد الوسائل المادية والبشرية الموضوعة رهن إشارتها. 

    فمن أجل مواكبة التنظيم الترابي اللامركزي للمملكة  القائم على الجهوية المتقدمة، تتولى المصالح اللاممركزة للدولة، تحت إشراف السلطات الحكومية المعنية ،  وتحت إشراف والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم، حسب الحالة، ممارسة المهام التالية :

– تقديم كل أشكال الدعم والمساعدة لفائدة الجماعات الترابية[1] وهيئاتها والمؤسسات والمقاولات العمومية ذات الاختصاص الترابي وكل هيئة من الهيئات المكلفة بتدبير مرفق عمومي  ( المادة 36 من المرسوم )

– العمل على إرساء شراكة فاعلة مع الجماعات الترابية وهيئاتها والمؤسسات والمقاولات العمومية ذات الاختصاص الترابي في مختلف المجالات، ولا سيما عن طريق إبرام اتفاقيات أو عقود باسم الدولة، بناء على تفويض خاص، مع التقيد بالتوجهات العامة للدولة وبرامج التنمية الجهوية المعتمدة؛

– مواكبة الجماعات الترابية وهيئاتها في ممارسة الاختصاصات الموكولة إليها، ولا سيما في إنجاز برامجها ومشاريعها الاستثمارية وتمكينها من كل أشكال المساعدة اللازمة؛

–  تعزيز آليات الحوار والتشاور  مع كافة المتدخلين على مستوى الجهة وعالى مستوى العمالات .

      وهكذا ومن خلال قراءة متأنية لأهم الصلاحيات والاختصاصات التي تقوم بها المصالح اللاممركزة ، يتضح بجلاء أن ميثاق  اللاتمركز الإداري  سنعكس إيجابا على أداء الجهات ،  من خلال تقوية أداء المصالح الخارجية بالمساهمة في تغيير الإدارة وأساليب عملها  بحيث أن الميثاق عمل على إحداث بنيات للتنسيق  وضمان التقائية السياسات العمومية ونجاعتها ، من لجنة وزارية يرأسها رئيس الحكومة تشرف على وضع البرامج واستراتيجيات تنزيل الميثاق وأيضا تقييمه وإعداد مقترحات لتطوير تنفيذه، علاوة على لجنة إدارية جهوية يترأسها الوالي ” تحمل اسم ” اللجنة الجهوية للتنسيق”  تتولى مهام التنسيق والتتبع والتقييم والاقتراح وإبداء الرأي حول مشاريع السياسات والبرامج العمومية للدولة على المستوى  الجهات.


14– ينص الفصل 135 من  دستور فاتح يوليوز2011  على أن ”    الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات “، وبالتالي فالجهة كجماعة ترابية تستفيد  من دعم ومؤازرة    المصالح اللاممركزة  وفقا للمادة  36 من المرسوم المنظم لها.

ميثاق اللاتمركز الإداري وتحديات التفعيل

المطلب الثاني: ميثاق اللاتمركز الإداري وتحديات التفعيل

       يمكن القول  أن ميثاق اللاتمركز الإداري يمكن أن  يدفع بالمصالح  الترابية للدولة إلى إصلاح بنياتها لأجل أقلمتها مع المهام الجديدة، حيث ستؤدي هذه التقوية إلى تحديث المؤسسات الإدارية الترابية وإلى تنظيم أفضل للتنسيق بين الوزارات.

  فاللاتمركز الواسع يمكن اعتباره أسلوبا جديدا في التدبير الترابي ، من خلال توسيع اختصاصات المصالح اللاممركزة للدولة ، وتوسيع صلاحيات رؤسائها ، وتحويل الاختصاصات والاعتمادات  اللازمة لذلك ، ضمن منظور متقدم للامركزية واللاتمركز.

   من المنطقي أن تعزيز وتقوية مسلسل اللاتمركز، نحو اللاتمركز الواسع ، سيساهم في أقلمة الدولة مع  المجال الجهوي، فإذا كان على الجهة أن تمارس مهامها مع الأخذ بعين الاعتبار الدور الأساسي الذي تلعبه الدولة ،  فعلى الدولة كذلك أن تعمل على التخلص التدريجي من كافة أعبائها حتى تتفرغ لوظائفها الأساسية التي تتجسد في التنظيم والمراقبة والتوجيه، لمصالحها وتدعيم الوحدات الترابية سواء المنتخبة أو المعينة بالموارد الضرورية للقيام بمهامها.

   لكن  بالرغم من الايجابيات التي جاء بها ميثاق اللاتمركز الإداري فهو يثير العديد من النقط  الملاحظات ، أهمها:

– أن المرسوم الجديد يكرس الاستمرارية ، ومفاد ذلك أنه لسنا أمام إصلاح  جدري للاتمركز الإداري بقدر ما نحن أمام استمرارية في الإصلاح ( مراسيم 1993-2005-2018)

– تعزيز مكانة رجل السلطة على مستوى اللاتركيز الإداري ( الولاة والعمال) ، وهذا يمكن أن يخلق وحدات لإنتاج القرار  العمومي على المستوى الترابي، وربما هذا سيكرس منطق الوصاية  انطلاقا من المهام الكثيرة التي منحت   بمقتضى المرسوم الجديد للولاة على المستوى الترابي ،  من خلال هاجس التتبع  والتقييم سواء في إطار العلاقة بالمجالس الجهوية عبر تتبع ومراقبة عمل هذه الأخيرة  وتنفيذها لبرامجها، أو كآلية لتقييم أداء المصالح التابعة للوالي وإعداد تقارير نجاعة الأداء لهاته المصالح الخارجية .

      وحسب أحد  الباحثين[5] فإن اللاتمركز وإن كان يهدف إلى تمكين المصالح اللاممركزة من اختصاصات فعلية، ويمكنها من صلاحيات تجعلها مبادرة وقادرة على اتخاذ قرارات ومبادرات تضمن فعاليتها وجودة خدماتها فإن الأدوار المنوطة بالولاة العمال توضح أن التبعية المطلقة التي كانت يوما إزاء “المركز” قد تحولت في اتجاه ممثلي وزارة الداخلية بالولايات والأقاليم. إنها تبعية المصالح اللاممركزة للدولة السلطة الفعلية التي تستحوذ على كل الإمكانيات والقرارات، وبالتالي التحول من مركزية بيروقراطية اتضح قصورها إلى نوع جديد/ قديم من المركزية المغلفة بخطابات القرب والتنمية المحلية.

        وبالتالي فميثاق اللاتمركز الإداري  لازالت أمامه تحديات للتفعيل ، وأهمها  المدخل الثقافي والنفسي لأن الفلسفة جديدة وتقتضي إصلاح الدولة ، ومما يتطلب من هده الأخيرة  الانتقال من  مركزية شديدة استمرت منذ الاستقلال إلى اليوم، إلى فلسفة تقوم على تقاسم فعلي للصلاحيات والسلط.

   وقد سبق للملك محمد السادس في خطاب المسيرة الخضراء  بتاريخ 6 نونبر 2008 أن تحدث عن مسألة تغيير العقليات والسلوكيات وذلك من خلال تنبيه المسؤولين  في الإدارات المركزية  القطع مع العقلية المتحجرة ، وحث على ضرورة إفراز جيل جديد من النخب على المستوى المركزي  واللاممركز ، نخبا جديدة  تكون  قادرة على مواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية التي تعرفها بلادنا.

    ومن المداخل الأساسية أيضا لإنجاح اللاتمركز الإداري هو المدخل القانوني والمؤسساتي ، الذي يتطلب مواكبة النصوص التنظيمية وتسريع مواكبتها  للمستجدات ، إضافة إلى ضرورة رصد الموارد البشرية والمالية وتدبيرها الأمثل والتنسيق الأمثل الناجع للعمل العمومي على كل مستوى ترابي تتدخل فيه الدولة ، بما في ذلك بصفة رئيسية ومن الآن فصاعدا ، مستوى الجهة.  

   والواضح أن تنزيل اللاتمركز الإداري بمنح الجهات اختصاصات واسعة   سيتبعها تحول نوعي على مستوى الإدارة المحلية، وبالتالي أضحى معه لزاما التفكير في توفير موارد بشرية كافية، مؤهلة، قادرة على المساهمة في صنع القرار لإنجاز البرامج، و تكون لها القدرة على الاستيعاب والمبادرة في إنتاج السياسات العمومية. وتكون قادرة كذلك على استيعاب مختلف التحولات، والأمر سيحتاج مؤكدا إلى إعادة الانتشار، فهل اتخذت الإدارة في الحسبان مسألة الطاقات البشرية المواكبة لهذا التغيير والمتصفة بالمؤهلات العلمية والتقنية والعملية؟ لجعل الإدارة المحلية أكثر فاعلية ومحققة لسياسة القرب من المواطن .
  إن الفلسفة الجديدة لميثاق اللاتمركز الإداري ، والتي تقوم على الانتقال المرحلي من منطق المركزية إلى منطق الجهات وتفعيل سياسة القرب، يتطلب من الفاعلون المركزيون تغيير عقلية الفعل السياسي المركزي إلى فعل مركزي من أجل الجهات ، والتأسيس لآليات الشراكة  والتعاون  والثقة والاقتسام الفعلي للسلطة ودفع الشريك المحلي على التطور في اتجاه إنتاج نخب محلية مؤهلة.[6]

  إن إصلاح اللاتمركز الإداري  لا ينبغي أن يقتصر فقط على إعادة  هيكلة وتنظيم المصالح الإدارية ، بل ينبغي إضافة إلى ذلك  التأسيس لإدارة مغربية تبني على مبادئ الحكامة الجيدة  وتحديث بنية الدولة ، وإعادة صياغتها  علاقتها بمكوناتها الأساسية بما يضمن دينامية الجهوية المتقدمة، ويضمن تقريب الخدمات من المواطنين، وتحقيق العدالة المجالية.

15  كريم عكا : ميثاق اللاتمركز المتمركز ، مجلة الحوار المتمدن ، العدد ؛ 6186 ، 29/03/2019  الموقع الإلكتروني :   http://www.ahewar.org تاريخ الزيارة 01/05/2019 .                                                               16  نادية النحلي: الجهوية المتقدمة في الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 ، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 107، نونبر/دجنبر، 2012، ص: 21.

اترك تعليقاً