من إعداد: د. رشدي عبد العزيز
باحث بالمركز
مقدمة
يعد حق الملكية من أقدس الحقوق المقررة للأفراد، هذا الحق الذي اهتمت به معظم الدساتير والتشريعات في العالم بالنص على احترامه واعتباره من الحقوق الطبيعية واللصيقة بالأفراد .فقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10/12/1948 على أن “لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره و لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا “.
وجاء في الفصل 35 من دستور المغرب لسنة 2011 ما يلي ” يضمن القانون حق الملكية ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون.
وجاء أيضا في الفصل 10 من الظهير المتعلق بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة الصادر بتاريخ 2 يونيو 1915 ما يلي” لا يجبر أحد على التخلي عن ملكه إلا لأجل المصلحة العامة ووفق القوانين الجاري بها العمل في نزع الملكية”
كما رأينا فإن الدستور الحالي وضع الضمانات الضرورية لحماية حق الملكية، وأن الإدارة إذا كانت في حاجة إلى ملكية الغير من أجل إقامة مشروع يهدف إلى تحقيق المنفعة العامة (كما هو الحال في المشاريع التربوية التي تتجلى في إحداث مؤسسات تعليمية من طرف وزارة التربية الوطنية) فإن الدستور الحالي يفرض عليها سلوك مسطرة نزع الملكية التي نظمها قانون 81/7 وأنه إذا لم يقع احترام الإجراءات التي نص عليها القانون بهذا الخصوص، فإن تصرف الإدارة باحتلال ملك الغير يعتبر اعتداءا ماديا، وهذه القواعد أقرها المجلس الأعلى في العديد من قراراته، وبعده المحاكم الإدارية في العديد من الأحكام ، وهذا يؤكد أن الإدارة يجب أن تكون تصرفاتها وأعمالها مطابقة للقانون.
إن الغاية المتوخاة من كتابة هذا المقال هو إثارة الانتباه إلى تلك الظاهرة التي أصبحت متفشية في الإدارة المغربية التي أصبحت تخالف القانون عبر خرقها لحق الملكية المضمون بالدستور وذلك باستيلائها واعتداءها المادي على أملاك الغير دون سلوك مسطرة نزع الملكية، ظنا منها أن ذلك يسهل مأموريتها في أداء مهامها عبر إنجاز المنشآت العامة التي تحتاجها، في حين أن ذلك يشكل ضربا لمصداقيتها وهدرا لحقوق الأفراد الذين يفقدون ثقتهم بسبب تصرفها الغير المشروع ، كما يعتبر ذلك عائقا لبناء دولة الحق والقانون كاختيار استراتيجي سارت فيه بلادنا.
فالإدارة بهذا المعنى عندما تخالف المشروعية وتتملص من تطبيق القانون ومن سلوك المسطرة التي حددها الدستور والقانون، تكون بذلك قد أساءت لمبدأ الشرعية وسيادة القانون وهذا ليس في مصلحة الإدارة التي يجب أن تكون قدوة في الامتثال للدستور والقوانين وتعطي المثال في احترام حقوق ومصالح المواطنين. وبالرجوع إلى خطاب المرحوم الملك الحسن الثاني بتاريخ 08/05/1990 الذي ألقاه بمناسبة إحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي يعد لبنة أساسية لإحداث المحاكم الإدارية بالمغرب والذي أورد في إحدى فقراته ما يلي ” نريد أن نكون دولة الحق والقانون ونحتفظ بالملكية الخاصة ولكن نتجاهل ذلك ونأتي ونتسلط على أراضي الناس ونبني دون اعتماد لا على مسطرة نزع الملكية ولا الاتصال بمحامي هذا أو ذلك “
بناءا على ما سبق فإن القضاء الإداري في بلادنا وتماشيا مع مقاصد مشرع قانون 90/41 أصبح ينظر في قضايا الاعتداء المادي، بحيث خول للقاضي الإداري دورا مهما في حماية حقوق المواطنين وصيانتها من تعسف الدولة والإدارة، وبالتالي في حماية الملكية العقارية.
فما هي أهم تجليات وأوجه حماية القضاء الإداري للملكية العقارية؟
بناء على التساؤل المطروح سأتناول دراسة هذا المقال من خلال المحورين التالين:
– حماية القضاء الاستعجالي للملكية العقارية؛
– حماية القضاء الإداري للملكية العقارية من حالات الاعتداء المادي ؛
المحور الأول: حماية القضاء الإداري للملكية العقارية
سأتناول خلال هذا المحور تجليات حماية القضاء الإداري من خلال رقابته للمسطرة الإدارية لنزع الملكية وكذلك من خلال المسطرة القضائية لنزع الملكية بما فيها المسطرة الاستعجالية في فرع أول ثم حماية قضاء الموضوع للعقارات كفرع ثان، وأخيرا حماية قضاء الالغاء للملكية العقارية في فرع ثالث .
الفرع الأول: حماية القضاء الاستعجالي للملكية العقارية
بإنشاء المحاكم الإدارية أحدثت مؤسسة جديدة تتمثل في الاستعجال الإداري، في هذا الإطار ينص الفصل 19 من قانون 90/41 على ما يلي : يختص رئيس المحكمة الإدارية أو من ينيبه عنه بصفته قاض للمستعجلات والأوامر القضائية بالنظر في الطلبات الوقتية والتحفظية ، كما ينص الفصل 24 من قانون 81/7 علىنه يجب على نازع الملكية أن يودع لدى المحكمة الإدارية المختصة، أي التي يوجد بها موطن العقار محل نزع الملكية، طلبا لأجل الحكم له بحيازة العقار مقابل إيداع أو دفع مبلغ التعويض المقترح، ولا يجوز لقاضي المستعجلات أن يرفض الإذن بالحيازة إلا بسبب بطلان المسطرة. ولذلك فإن قاضي المستعجلات هو الذي يرجع له الاختصاص بشأن الإذن بالحيازة حيث يتأكد من مدى احترام الفصول 5 و 6 و12 المتعلقة بالإعلان والنشر والإيداع والبحث ومن الإجراءات المسطرية الضرورية. فمراقبة قاضي المستعجلات الإداري للإجراءات الإدارية المتعلقة بمسطرة نزع الملكية قبل أن يأمر بالإذن في الحيازة لفائدة الإدارة نازعة الملكية، يشكل ضمانة أساسية لصاحب العقار، لأن منح هذه الحيازة قبل استكمال المسطرة القضائية برمتها، يتطلب من القاضي المستعجلات إجراء فحص دقيق للوثائق المعروضة عليه ليتأكد من سلامة الإجراءات الإدارية التي سلكتها الإدارة تحت طائلة عدم قبول طلبها.
وما ينبغي التأكيد عليه هو أن قاضي المستعجلات يعد قاضي الشكل لأنه لا يملك سلطة فحص جوهر مضمون المسطرة الإدارية ولا شرعية القرارات الصادرة في إطارها. فقاضي المستعجلات الإداري يأمر فقط بالإذن في الحيازة مقابل دفع أو إيداع التعويض المقترح من طرف اللجنة الإدارية للتقييم بحيث لا يملك صلاحية تحديد تعويض أكثر من التعويض المحدد سلفا من طرف اللجنة المذكورة، كأن يأمر مثلا بإجراء خبرة لتحديد التعويض المناسب لأن هذه الصلاحية يملكها قاضي الموضوع المعهود إليه بالنظر في دعوى نقل الملكية وتحديد التعويض النهائي، وإلا فإن قاضي المستعجلات الإداري يتجاوز الاختصاص المحدد له بمقتضى القانون والذي يمنع عليه البث فيما يمكن له أن يقضي به في الجوهر عملا بمقتضيات الفصل 152 من قانون المسطرة المدنية .
الفرع الثاني : حماية قضاء الموضوع للملكية العقارية.
تتجلى هذه الحماية في اختصاص المحاكم الإدارية بدعاوى نقل الملكية وتحديد التعويض النهائي عن نزع الملكية.
أولا: دعاوى نقل الملكية
تعتبر دعوى نقل الملكية أهم مرحلة قضائية التي تمكن نازع الملكية من الحصول على سند تنفيذي الذي هو بمثابة سند للملكية يمكنه من جميع الحقوق التي يخولها القانون للمالك . إلا أن هناك شروطا شكلية خاصة بدعوى نقل الملكية لابد من توافرها حتى يمكن للمحكمة الاستجابة لهذه الدعوى، وهي المنصوص عليها في الفصول 8و9و10و12 من قانون نزع الملكية، وذلك حسب ما يتضح من الفقرة الأولى من الفصل 18 من القانون المذكور
وهذه الشروط الشكلية هي : النشر والتعليق والإيداع. فقد أوجب المشرع نشر مقرر المعلن للمنفعة العامة بأكمله في الجريدة الرسمية، كما ينشره في جريدة أو عدة جرائد مأذون لها بنشر الإعلانات القانونية، وكذلك لابد من أن يقوم نازع الملكية بتعليق نص المقرر المعلن للمنفعة العامة بمكاتب الجماعة التي يقع بدائرة نفوذها العقار أو العقارات المنزوعة ملكيتها،
وأخيرا يتعين على الإدارة نازعة الملكية إيداع مشروع مقرر التخلي لدى المحافظة العقارية التابع لها موقع العقار المنزوع ملكيته وذلك إذا كان العقار محفظا، أما إذا كان العقار في طور التحفيظ فيتم إيداع المشروع المذكور بسجل التعرضات المنصوص عليه في الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري الصادر في 12 غشت 1913، أما إذا كان الأمر يتعلق بعقار غير محفظ فإن الإيداع بالنسبة لمشروع مقرر التخلي يتم بالمحكمة الإدارية التابع لها موقع العقار المنزوعة ملكيته حيث يتم تقييده بالسجل الخاص المنصوص عليه في الفصل 455 من قانون المسطرة المدنية.
وتعتبر هذه الإجراءات المسطرية من النظام العام ويترتب عن عدم احترامها عدم قبول دعوى نقل الملكية، بحيث يمكن للمحكمة أن تثير الاختلالات التي شابت تلك الإجراءات تلقائيا ولو لم يثرها الخصوم.
وللإشارة فإن نقل الملكية إلى الإدارة نازعة الملكية لا يتم إلا بمقتضى حكم قضائي وذلك حسب الفصل 2 من القانون رقم 81/7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وبالتالي فإن القضاء الإداري هو الذي يتولى الإشراف على نزع الملكية ، وهذه القاعدة ظهرت في البداية في التشريع الفرنسي مند سنة 1810 لمواجهة الاعتداءات المادية التي كانت تتعرض لها الملكية الخاصة، والمشرع المغربي أخد بدوره هذه القاعدة مند قانون نزع الملكية الأول الصادر طبقا لظهير 31/08/1914 ثم ظهير 03/04/1951 وكذا في القانون الحالي الصادر في 06/05/ 1982 .
وطبقا للقانون 90/41 المحدث للمحاكم الإدارية، فقد أصبح القاضي الإداري هو المختص بالنظر في قضايا نزع الملكية وذلك وفقا للمادة 8 التي تنص على اختصاص المحاكم الإدارية بالبث في دعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام، ومن ضمنها طلبات التعويض عن الأضرار التي تنتج للخواص بسبب نزع الملكية أو أعمال التعدي التي تمارسها الإدارة على أراضيهم دون سند يبرر هذا النشاط.
وتجدر الإشارة إلى أن الحكم بنقل الملكية غير قابل للتعرض من طرف المنزوعة ملكيته وغير قابل أيضا للطعن بالاستئناف في شق الحكم القاضي بنقل الملكية، بينما يمكن له الطعن بالاستئناف في الشق المتعلق بالتعويض وذلك حسب الفصل 32 من القانون 81/7 االمتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة
ثانيا : تحديد التعويض النهائي عن نقل الملكية
تعتبر هذه المرحلة من أهم المراحل التي تهم بوجه الخصوص الشخص المنزوعة ملكيته، ذلك أن التعويض الذي تحدده المحكمة لفائدته يجب أن يكون بالنسبة إليه عادلا ومناسبا وغير مجحف، وبالتالي فإن دور القاضي الإداري في حماية الملكية العقارية يتجلى في مراعاة العديد من القواعد القانونية خصوصا منها تلك المنصوص عليها في الفصل 20 من قانون 81/7 المتعلق بنزع الملكية، وهناك عناصر تراعيها المحكمة حين اعتمادها في تحديد التعويض بكيفية عادلة ومنصفة منها على وجه الخصوص (ملاءمة ونوعية الأرض بورية أو سقوية، صالحة للفلاحة أم للبناء، موقعها، قربها من المدار الحضري، توفرها على بناءات أم أغراس…إلخ)
وخلال تحديد المحكمة للتعويض المقابل لنقل الملكية، تستعين بجميع إجراءات التحقيق منها على الخصوص الخبرة إما بناء على طلب أحد الأطراف، أو من تلقاء نفسها وقد صرحت المحكمة الإدارية بالرباط في حكم لها ” للمحكمة سلطة تقديرية في تحديد ثمن الأراضي في إطار دعوى نزع الملكية وذلك استنادا على موقع العقار ومزاياه وباقي المعطيات الأخرى المستشفة من أوراق الملف “.
وفي إطار التعويض ينبغي هنا التنويه بموقف المجلس الأعلى وبعده المحاكم الإدارية الذي وضع حدا للجدل الذي كان قائما حول مدى جواز مشروعية نزع الملكية غير المباشر، معتبرا أن القضاء لا يمكنه أن يكرس ويضفي الشرعية عن الاعتداء المادي للإدارة. فالتعويض عن الاعتداءات المادية لا يؤدي بتاتا إلى نقل الملكية التي يجب أن تكون وفقا للمساطر والإجراءات المنصوص عليها قانونا، واضعا بذلك حدا فاصلا بين الحيازة المادية التي تنتقل إلى الإدارة بفعل الاعتداء المادي، وبين الحيازة القانونية التي لا يمكن أن تنتقل إلى الإدارة إلا وفق المساطر القانونية.
ومما جاء في إحدى قرارات المجلس الأعلى بهذا الخصوص ما يلي” لا يمكن الحكم للإدارة بنقل ملكية العقار إليها مقابل التعويض عن الرقبة المحكوم به لفائدة مالك العقار إلا إذا تم ذلك وفقا للمساطر القانونية والإجراءات الجاري بها العمل”.
إن الأموال المخصصة لتغطية التعويضات عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة يمكن الحجز عليها على اعتبار أن الإدارة ترصد أموالا لتغطية التعويضات الناجمة عن نزع ملكية أراضي الخواص، وهي بذلك تخرج بإرادتها هذه الأموال من ذمتها المالية لتخصصها للتعويض عن عملية نزع الملكية، ومن تم فهي تضفي عليها صبغة خصوصية وتجعلها قابلة للتنفيذ عليها وبذلك يحق للمنزوع ملكيتهم القيام بتلك الإجراءات القانونية للتنفيذ على هذه الأموال بما في ذلك مسطرة الحجز لدى الغير.
الفرع الثالث: حماية قضاء الإلغاء للملكية العقارية
يعتبر الطعن بالإلغاء في المقرر المعلن للمنفعة العامة الضمانة الأساسية للتخلص من هذا القرار متى كان متسما بالشطط في استعمال السلطة، كما أنه يعتبر إحدى الضمانات التي تحمي الملكية الفردية.
فقاضي الإلغاء هو القاضي المختص بمراقبة مشروعية المقرر المعلن عن المنفعة العامة، ولو أنه قد يتبادر إلى الذهن بأن الطعن وإن كان منصبا على مقرر إداري فهو يندرج ضمن النزاعات الناشئة عن تطبيق قانون 81/7 التي جعلتها المادتان 8 و37 من قانون المحاكم الإدارية من اختصاص قاضي نزع الملكية في إطار القضاء الإداري الشامل.
فضمانا لحق الملكية الخاصة، فقد منح المشرع للأشخاص المعنوية أو الذاتية حق تحريك دعوى الإلغاء من أجل إلغاء مرسوم نزع الملكية، وذلك أمام المحاكم الإدارية والغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى بشكل عرف تطورا يتماشى وضمان حق الملكية.
في هذا السياق فقد عملت المحاكم الإدارية على بلورة تصور جديد حاولت من خلاله تطبيق نظرية الموازنة التي ابتدعها مجلس الدولة الفرنسي في حكمه الشهير “المدينة الشرقية الجديدة ” لسنة 1971. وهذا التصور يقوم على ما يلي؛
1. الاتجاه الحديث في القضاء الإداري لا يكتفي بالنظر إلى المنفعة العامة المتوخاة من نزع الملكية نظرة مجردة، بل يتجاوز ذلك إلى النظر فيما يعود به القرار من فائدة تحقق أكبر قدر من المصلحة العامة.
2. يمكن للقاضي الإداري في هذا المجال أن يوازن بين الفوائد التي يحققها المشروع المزمع إنشاؤه والمصالح الخاصة التي يمس بها.
3. يمكن تقييم قرار نزع الملكية على ضوء مزاياه وسلبياته والمقارنة بين المصالح المتعارضة للإدارة والخواص في نطاق المشروعية المخولة لقاضي الإلغاء عن طريق إجراءات التحقيق.
المحور الثاني : حماية القضاء الإداري للملكية العقارية من حالات الاعتداء المادي؛
سأحاول خلال هذا المحور محاولة تحديد معنى الاعتداء المادي في فرع أول ثم حماية القضاء الإداري لحق الملكية العقارية من الاعتداء المادي الذي تمارسه الإدارة على العقارات المملوكة في فرع ثان .
الفرع الأول: تعريف الاعتداء المادي
تعتبر نظرية الاعتداء المادية أكثر المسائل تعقيدا وتشابكا في القانون الإداري، هذه النظرية التي عرفت بداية تطورها بفرنسا، حيث اعتبرها الفقه والقضاء في هذا البلد ضمانة هامة وحماية كبيرة للأفراد ضد اعتداءات الإدارة غير المشروعة خصوصا على الملكية الخاصة للأفراد، وربط الفقه عمل الإدارة بالعمل المادي الذي يشبه عمل الأفراد العاديين، ومن ثم كان الاختصاص بالنظر في أعمال الاعتداء المادي من اختصاص المحاكم العادية لكونها تمثل حصن الحريات الفردية وحامية للملكية الخاصة.
أما بالنسبة للمغرب الذي كان متأثرا إلى حد كبير بالاجتهادات القضائية التي كانت سائدة بفرنسا فقد استقر على أن حالات الاعتداء المادي الصادرة عن الإدارة تخضع لاختصاص القضاء العادي. وبعد إحداث المحاكم الإدارية وصدور قانون رقم 90/41 وبعد- تردد وتذبذب- انعقد الاختصاص لهذه المحاكم للنظر في حالات الاعتداء المادي وذلك لسببين رئيسيين، الأول يرتبط مع مقاصد مشرع القانون السالف الذكر الذي جعل القاضي الإداري هو القاضي الطبيعي للبت في طلبات رفع الاعتداء المادي، وبالتالي هو القاضي الذي يحمي حقوق المواطنين من تعسف الإدارة المغربية، والثاني كون الاجتهاد القضائي بفرنسا نابع من الاعتبارات التاريخية التي مر بها هذا البلد، وبالتالي فإن تطبيقه على الواقع المغربي يبقى أمرا مستبعدا.
إن الإدارة عند قيامها بوظائفها نحو تسيير المرافق العمومية، كقيامها بإحداث منشآت عامة من قبيل مثلا المنشآت التعليمية أو الصحية أو إحداث الطرق أو المستشفيات..إلخ ، تقوم أحيانا باحتلال أملاك الخواص دون سند قانوني أو ترخيص من الملاك وذلك تحت مبررات الاستعجال وتعقد مسطرة الاقتناء بالتراضي أو مسطرة نزع الملكية، إضافة إلى الجهل أحيانا بهذه المساطر من طرف الموظفين أو إلى جهل المواطنين بحقوقهم.
ومن تطبيقات الاعتداء المادي المتعلقة بالعقارات؛
1 – استيلاء الإدارة على أملاك الغير دون إتباع مسطرة قانونية
2 – مد قنوات المياه على أراضي الغير دون سلوك المسطرة اللازمة
3 – ضع أعمدة كهربائية في ملك الغير دون مباشرة الإجراءات القانونية
وقد أجمع الفقه على كون “الاعتداء المادي ” لا يوصف به عمل الإدارة إلا إذا كانت هناك عدم مشروعية سافرة وواضحة وانتفت أي بادرة أو نية للإدارة في احترام المشروعية، وهذا ما أكد عليه الفقيه الفرنسي “ميشال روسي” ومن معه في كتابه القانون الإداري حيث جاء في الصفحة 490 “إن أعمال التعدي عبارة عن مس خطير بحق الملكية، أو بحرية أساسية مثل حرية التجول وكرامة الشخص”..
وعرف الدكتور عبدالله حداد الاعتداء المادي على كونه “خطأ جسيم يعتبر في حقيقته وواقعه غصبا وعندها تكون الإدارة قد تخلت بصفتها كسلطة متمتعة بالامتيازات المخولة لها قانونا ووضعت نفسها في منزلة الخواص العاديين وتطبق عليها مقتضيات القانون الخاص”..
كما عرف الدكتور المصري مصطفى أبو زيد فهمي الاعتداء المادي بأنه ” نشاط تنفيذي تقوم به الإدارة وقد شابه عيب جسيم يمس حقا من حقوق الملكية أو حرية من الحريات العامة”.
من خلال هذه التعاريف يمكن استنباط شروط توافر الاعتداء المادي فيما يلي؛
1 – قيام الإدارة بإصدار قرار نافذ معدوم أو عمل مادي تنفيذي
2 – اتسام تصرف الإدارة بعدم مشروعية جسيم وواضح
3 – أن يقع الاعتداء على حق الملكية أو على الحرية الفردية
الفرع الثاني: القضاء الإداري وحماية الملكية العقارية من الاعتداء المادي
أقر الاجتهاد القضائي حماية الملكية العقارية في العديد من قراراته وأحكامه ، كقرار المجلس الأعلى عدد 74 الصادر بتاريخ 12/03/1993 حيث اعتبر “أن الاعتداء المادي غير مرتبط بأي نص تشريعي أو تنظيمي وأن كل تصرف الإدارة خارج الإطار القانوني يعتبر من قبيل الاعتداء المادي.
وقد صدر قرار عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط تحت عدد 268 بتاريخ 22/01/2013 ” اعتبر أن إقدام الإدارة على إحداث منشأة عامة دون سلوك المسطرة اللازمة عمل يتصف بالاعتداء المادي”.
وفي نفس السياق صدر قرار أيضا عن محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش تحت عدد 209 بتاريخ 14/02/2013 قضى بأن “وضع الإدارة يدها على العقار دون اتفاق بالمراضاة أو سلوك مسطرة نزع الملكية يعد غصبا واعتداءا ماديا على ملك الغير..”
كما نستشف حماية القضاء الإداري للعقارات المملوكة للخواص من عدة أحكام إدارية؛
ففي حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط تحت عدد 1399 بتاريخ 06/10/2008 جاء فيه ” أن استيلاء الإدارة على ملك الغير من أجل إحداث منشأة عامة قبل سلوك مسطرة نزع الملكية واستنفادها على نهايتها يضفي على تصرفها صفة الاعتداء المادي لمساءلتها.
وفي حكم صادر عن المحكمة الإدارية بأكادير تحت عدد 578 /2011 بتاريخ 04/10/2011 جاء فيه ” أن احتلال الشخص العام لأرض الغير دون سند قانوني وإنشاء مرفق عام فوقها يعتبر غصبا للملك ويستوجب تعويضا كاملا جابرا للضرر”.
وفي نفس الاتجاه صدر حكم عن المحكمة الإدارية بمكناس عدد 817/1914/2013 بتاريخ 16/07/2013 قضى “بأن استيلاء الجهة المدعى عليها على ملك الغير من أجل إقامة مشروع معين حيادا على احترام المقتضيات المعمول بها في إطار قانون نزع الملكية 81-7 يجعل حالة الاعتداء المادي قائمة ويرتب مسؤوليتها الإدارية لارتكابها خطأ مرفقيا طبقا لمقتضيات الفصل 79 من ق ل ع والمادة 8 من القانون رقم 90-41 والحكم بالتعويض ينبغي أن يوازي قيمة العقار”
وهكذا يتبين لنا أن الإدارة بعدم احترامها للمساطر القانونية، تكون قد ارتكبت خطأ مرفقيا مرتبا لمسؤوليتها الإدارية في إطار الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود والذي ينص على “أن الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناجمة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها، كما أن الاعتداء المادي يرتب مسؤولية الإدارة طبقا للمادة 8 من القانون 90/41 ويعطي للأطراف المدعية الحق في الحصول على التعويض المستحق باعتباره الوسيلة الوحيدة لجبر الضرر اللاحق.
إن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية لها حق اللجوء بصفة استثنائية إلى نزع ملكية العقارات من أجل تحقيق المنفعة العامة، فإنها تبقى ملزمة بسلوك المساطر المنصوص عليها بمقتضى القانون رقم 81 -7 المتعلق بنزع الملكية قبل وضع اليد والاستئذان في ذلك عن طريق القضاء.
فالقاضي الإداري يبقى له دور هام بالبت في دعاوى رفع الاحتلال والاعتداء المادي أو الاستيلاء والغصب ، وسلطات قاضي المستعجلات في حالات الاعتداء المادي واسعة لا يحدها إلا قيدين أساسيين أولهما توفر واشتراط عنصر الاستعجال في النازلة وعدم المساس بجوهر الحق، وثانيا مبدأ حماية المنشأة العامة الذي يقضي بعدم جواز هدم أية منشأة عامة ولو أن إحداثها تم عن طريق الخطأ.
ويعتبر وقف الاعتداء المادي من بين أغلب الإجراءات الوقتية الجاري بها العمل التي يأمر بها قاضي المستعجلات الإداري، ونادرا ما يصرح هذا الأخير بعدم الاختصاص مادامت الإدارة لا تملك في كثير من الأحيان ما تبرر به قيامها بالأشغال فوق أراضي الخواص.
كما يمكن لقاضي المستعجلات الإداري التدخل لرفع الاعتداء المادي وذلك بالأمر بإفراغ الإدارة من عقار بسبب احتلالها له بدون وجه حق ولا سند، إلا أن تدخله هذا منوط بما أسلفنا القول بتوفر حالة الاستعجال وعدم المساس بجوهر الحق.
أما بخصوص دعوى التعويض فهي تدخل في إطار القضاء الشامل التي يتمتع فيها قاضي الموضوع بسلطات واسعة، تمكنه من فحص العمل غير المشروع المنسوب للإدارة والحكم عليها بأداء تعويضات لفائدة صاحب الأرض نتيجة الضرر اللاحق به من جراء الاستيلاء عليها دون سلوك مسطرة نزع الملكية، وأن هذا التعويض يمكن أن يشمل التعويض عن الملكية، أو التعويض عن الحرمان من الاستغلال، أو هما معا.
ومن القواعد العملية التي رسخها القضاء الإداري في حمايته للملكية العقارية من الاعتداءات المادية نذكر مايلي:
1 – لا يطبق أجل التقادم المنصوص عليه في المادة 106 من ق ل ع في حالة المطالبة بالتعويض بسبب الاعتداء المادي للإدارة، ومن تم فالاحتلال غير المشروع لعقار الغير يعتبر واقعة مستمرة لا يلحقها التقادم.
2 – إن عدم سلوك إجراءات نزع الملكية من طرف الإدارة، يستوجب تعويض المالك تعويضا كاملا عن قيمة العقار دون التقيد بقواعد التعويض في إطار مسطرة نزع الملكية ..
4 – الحالة التي أقر فيها القضاء عدم جواز الحكم بنقل ملكية عقار إلى الإدارة على إثر تعويض المالك عن فقدان الرقبة في دعوى الاعتداء المادي.
وخاتمة القول أن الإدارة في أحيان كثيرة تعتمد في سبيل إغناء رصيدها العقاري لإنجاز مشاريعها المتنوعة، اللجوء إلى وسيلة سهلة وميسرة وهي التسلط على أراضي الخواص بدون سلوك مسطرة نزع الملكية، وهذا سيؤدي من جهة إلى جعل
هذا التسلط هو الأصل والاستثناء هو تطبيق قانون نزع الملكية، ومن جهة ثانية سيترتب عن ذلك نتائج وخيمة من بينها فقد المواطن ثقته في الإدارة التي بدلا من أن تلجأ إلى حمايته تقوم بالاستيلاء على ملكه من خلال سلوكها لأعمال مادية غير مشروعة تتمثل في الغصب والاعتداء المادي.
وإذا كان القضاء الإداري قد استطاع فرض حمايته للملكية العقارية من أي اعتداء مادي، فإن ذلك وحده لا يكفي لأن الضمانة الدستورية لحق الملكية لا تتجلى فقط في تدخل القضاء لتجسيد هذه الضمانة، بل لابد من أن يتدخل المشرع أيضا لإعطائها المدلول الشامل من خلال فرض احترام حق الملكية العقارية، وذلك عبر إدخال تعديلات على القانون رقم 81/7 المتعلق بنزع الملكية، والتنصيص على إجراءات وتدابير أكثر حماية وصونا لذوي العقارات.
لائحة المراجع:
– صدرت عدة أوامر بعدم قبول الحيازة بسبب عدم احترام نازع الملكية للمسطرة الإدارية ومنها الأمر الاستعجالي الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالدارالبيضاء عدد 34 بتاريخ 26/03/1996
– أنظر في هذا الإطار: القضاء الإداري وحماية الملكية العقارية لمؤلفه مصطفى التراب – مطبعة الأمنية- الرباط 2013
– في هذا الإطار قضت المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 01/07/1997 في الملف عدد 260/96ت ” إن الإجراءات المنصوص عليها في القانون رقم 81/7 المتعلق بنزع الملكية تعتبر من النظام العام وأن أي إخلال بها يعرض دعوى نقل الملكية لعدم القبول.
– حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط تحت عدد 262 بتاريخ 10/03/1998.
– القضاء الإداري ودولة القانون بالمغرب العربي؛ أعمال اليم الدراسي الذي نظمته شبكة القانونيين المغاربيين والمدرسة الوطنية للإدارة والمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية يومي 17و18 أبريل 2008 بالرباط- منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية.
– د. حسن صحيب ؛ القضاء الإداري المغربي – منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية- سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية – الطبعة الأولى –السنة 2008.
– ميشال روسي وآخرون ؛ القانون الإداري المغربي –المطبعة الملكية ، طبعة أولى 1988.
– الدكتور عبد الله حداد ، دليل الدعوى غير الإدارية – مطبعة عكاظ ،الرباط 2003.
– د مصطفى التراب ؛ مرجع سبق ذكره.
– حكم صادر عن المحكمة الإدارية بمراكش تحت عدد 123 بتاريخ 6/4/2005 منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد مزدوج 67- 66 .
– قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى تحت عدد 698 بتاريخ 18/12/2005.