جائحة “كوفيد19” ونحن


من إعداد: أنوار حسباوي

  ترجمة:  كرومي عبدالغاني

مقدمة:

يمر العالم في الفترة الحالية بمرحلة حرجة مع ظهور وباء كورونا فيروس المستجد، الذي يتسع باضطراد وبوتيرة متسارعة، ويخلف يوما عن يوم ضحايا بالآلاف، وانعكاسات سلبية كبيرة على مختلف اقتصاديات دول العالم، والتي من مظاهرها تكبد أغلب البورصات العالمية لخسائر مالية فادحة، وكذا إلغاء شبه كلي لمختلف التظاهرات الاقتصادية والثقافية والرياضية. وهكذا، فإنه يتوقع أن يتجاوز حجم الخسائر الاقتصادية أكثر من 1000 مليار دولار.

أمام هذه الوضعية، برزت إلى الواجهة ثلاث كيانات رئيسية لها دورها الأساس في الحد من اتشار هذا الوباء، من خلال الدور الجاد والحازم، للسلطات العمومية و مجموع المواطنين من جهة، أو الدور  السلبي الذي يلعبه بعد الأفراد أو الكيانات،  والذي يساهم بشكل إرادي أو غير إرادي في بث الهلع والخوف في عموم المواطنين، من جهة أخرى.

أولا: السلطات العمومية

لا تتوانى السلطات العمومية في مجموع دول العالم عن القيام بمجهودات جبارة لأجل الحد من تداعيات هذا الوباء وضمان استقرار أوضاع بلدانها وكسب ثقة شعوبها.ويعد إعلان حالة الطوارئ أحد أهم القرارات الصعبة التي لجأت إليه العديد من الدول بالرغم من النتائج والانعكاسات السلبية الناجمة عنها، لاسيما في مجال الحد من الحريات. إلى جانب ذلك تواجه السلطات العمومية في مختلف الدول العديد من التحديات الإضافية المرافقة لهذه الجائحة، نذكر منها على سبيل المثال، خصوصا في ظل الانتشار الواسع لوسائط التواصل الاجتماعي،سبل مواجهة التدفق الهائل للمعلومات ومضامينها المتناقضة واختيارات توقيت نشرها.

أولا: السلطات العمومية

في ظل هذه المعطيات، يتبين أن التعامل مع هذا الوباء، يتطلب رجال دولة أكفاء تكون لهم القدرة على إعادة الثقة للمواطن، وعلى التعاطي الفعال والسريع مع الظرفية الاجتماعية والاقتصادية المتغيرة، وذلك عبر اتخاذ التدابير والاجراءات الصحيحة التي  تكون فيها نسبة الخطأ ضئيلة، وأيضا من خلال اتخاذ قرارات فعالة ونجاعة قادرة على الحد من التأثيرات السلبية للوباء على الصحة العامة من ناحية وعلى الاقتصاد من ناحية أخرى، وذلك في الزمن والمكان المناسبين، في ظل ظرفية تتسم بصعوبات وإكراهات ناجمة عن نذرة الموارد وضعف البنية التحتية الكفيلة بمواجهة هذا الوباء المستجد.

في المغرب، ووعيا منه بخطورة الموقف، عملت السلطات العمومية وبتوجيه مباشر من جلالة الملك محمد السادس على تدبير الأزمة باعتماد مقاربة استباقية تتوخى التقليص من الخسائر الناجمة عن هذا الوباء عبر مجموعة من التدابير في مجالات متعددة، والتي تضع على رأس أولوياتها حفظ الصحة العامة وحماية النسيج الاقتصادي المغربي، وفي هذا الإطار يندرج إحداث الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا” كوفيد 19″، والذي سوف يخصص أساسا للتكفل بالنفقات المتعلقة بتأهيل الآليات والوسائل الصحية، سواء فيما يتعلق بتوفير البنيات التحتية الملائمة أو المعدات التي يتعين اقتناؤها باستعجال. كما سيسهم في دعم الاقتصاد الوطني من خلال دعم القطاعات الأكثر تأثرا بتداعيات فيروس كورونا والحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من التداعيات الاجتماعية لهذه الجائحة.

هذه الاستراتيجية، الواعية والتي تستحضر مختلف التجارب الدولية في معالجة آثار هذا الوباء، تبقى أفضل وسيلة لمواجهة هذه الجائحة التي عجز الطب إلى حد الآن عن ايجاد لقاح أودواء للقضاء عليها.

ثانيا: المواطن

أمام هذا الوباء المستجد اضطر الناس في كل مكان ومن ضمنهم المواطن المغربي وبشكل فجائي إلى تغيير نمط حياتهم. وهكذاأصبح الحجر المنزلي هو البديل المطروح لأجل تفادي الإصابة بالفيروس أو نقله لأشخاص آخرين. فبحسب الاحصائيات المتوفرة يساهم الحجر المنزلي بشكل كبير في التقليص  من عدد الاصابات بهذا الوباء، وبالتالي المساهمة في التقليص من الضغط الهائل على النظام الصحي، مما يمكن من التعامل الفعال مع الحالات المصابة.

الحجر المنزلي هو البديل المطروح لأجل تفادي الإصابة بالفيروس

وفي هذا الصدد، ولتمكين السلطات العمومية من القيام بواجباتها في هذه الظرفية العصيبة يتعين على المواطن التعاطي الايجابي مع المعلومات الواردة منها والامتثال لقراراتها.

كما أن المواطن مطالب أيضا بالمساهمة الايجابية في الحد من انتشار هذا الوباء، فإلى جانب الالتزام بالحجر المنزلي، وعدم الخروج من المنزل إلا عند الضرورة، وتيسير عمل السلطات العمومية من خلال التجاوب مع البلاغات والقرارات الصادرة عنها، يتعين عليه أيضا المساهمة في نشر قيم التضامن والتعاون والتآزر عبر الانخراط الايجابي والفعال في المبادرات التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني، وهذا من شأنه أن يقوي الروابط الاجتماعية ويساعد على تجاوز هذه المحنة التي تهدد النسيج الاجتماعي برمته.

إن التضامن بين الساكنة في هذه المرحلة يعبر بحق عن النبل والمعنى الحقيقي لمفهوم التضحية لأجل تحقيق الصالح العام، والذي يعد أيضا رسالة واضحة للأجيال المقبلة أنه بإمكانهم بناء مغرب أفضل اعتمادا على مجهودات وعمل الأجيال الحاضرة.نعم إن العيش المشترك يقتضي بالضرورة التعاون والتضامن بين أفراده، وهذا التضامن يتخذ أبعادا متعددة، منها ما هو المعنوي ومنها ما هو مادي ومالي.

:بعض السلوكات اللامسؤولة

خلال هذ المرحلة الحرجة من حياة الأمم، تنتشر بعض السلوكات الانتهازية سواء من طرف بعض الأفراد أو بعض الوحدات الانتاجية، والتي تسعى إلى تجيير الأزمة لصالحها، بغية تحقيق أرباح من خلال احتكار بعض المواد الضرورية أو رفع أثمنتها بشكل يضر بالفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة. إن هذا السلوك الذي يعبر عن سلوك مرضي، يفتقر إلى كل مقومات المسؤولية الاجتماعية وإلى موجبات السلوك المدني والمتحضر.ولن يحد من هذه النوعية من السلوكات المشينة، والتي تفتقر إلى حس المواطنة السليمة، سوى مزيد من الوعي المجتمعي والتعاون الوثيق بين السلطات العمومية وسائر المواطنين في شتى أنحاء الوطن شماله وجنوبه، شرقه وغربه، حواضره وبواديه.

تحقيق أرباح من خلال احتكار بعض المواد الضرورية أو رفع أثمنتها بشكل يضر بالفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة

سلوك آخر لا يقل ضررا عن سابقه، إنه الاشاعات المغرضة التي ينشرها البعض عبر وسائط  التواصل الاجتماعي، قصد نشر الهلع والخوف وسط الساكنة ومن أجل إرباك السلطات العمومية بمناسبة أداء عملها.

إن الحد من هذه السلوكات المدانة تستلزم تظافر جهود الجميع، سواء بتفعيل المقاربة القانونية، أو عبر قيام  الجامعات ومراكز البحوث المتخصصة بدراسات نفسية واجتماعية واقتصادية وغيرها لمعرفة دوافعها وأغراضها وسبل الحد والوقاية منها.

:خاتمة

وفي الختام، يمكن القول أن وباء “كوفيد 19” شأن الجميع. ولا يمكن الحد منه إلا بتظافر كل الجهود، والحال أن من شأن هذا الانخراط الجمعي، سلطات عمومية ومجتمع مدني وأفراد، أن يخفض التكلفة الاجتماعية لهذا الخطر المحدق.كما أن من شأن مكافحة هذا الوباء، وعلى غرار التعاطي مع باقي الأزمات، أن يرفع من يقظة ووعي العالم برمته لأجل استخلاص الدروس في مواجهة الأحداث  الكبرى التي يمكن أن تحصل في المستقبل.

اترك تعليقاً