يندرج القانون التنظيمي المتعلق بالجهات في إطار تفعيل مقتضيات دستور المملكة المغربية، ولا سيما الفصل 146 منه الذي ينص على أنه ” تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة: -شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الأخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية، وعدد أعضاء مجالسها والقواعد المتعلقة بأهلية الترشيح …” هذا، والجدير بالذكر أن البرنامج الحكومي الذي عرض أمام البرلمان بتاريخ 19 يناير 2012 ، سبق وأن التزم بإصدار هذا القانون التنظيمي وفقا لمقتضيات الدستور. ويسعى هذا القانون إلى تكريس وتجسيد نهج الجهوية الموسعة التي اختارها المغرب كنمط جديد للحكامة الترابية الرامية إلى إصلاح وتحديث هياكل الدولة وفق مقاربة تشاركية مندمجة مبنية على مبادىء التوازن والتضامن الوطني والجهوي وفي احترام تام لوحدة الدولة والوطن والتراب. سنحاول من خلال هذا المقال التطرق إلى المبادىءالمؤطرة للتنظيم الجهوي المضمنة بالدستور: • المضامين الأساسية للقانون التنظيمي للجهة: -المبادىء الأساسية المعتمدة؛ -المقتضيات المتعلقة بتنظيم المجالس وتسييرها؛ -النظام الأساسي للمنتخب؛ -اختصاصات الجهة؛ -صلاحيات المجلس ورئيسه؛ -النظام المالي للجهات؛ -الإدارة وأجهزة تنفيذ المشاريع؛ -المقتضيات المتعلقة بالمراقبة الإدارية؛ -المقتضيات المتعلقة بالمنازعات؛ -المقتضيات المتعلقة بقواعد الحكامة الجيدة.
I-المبادىءالمؤطرة للتنظيم الجهوي المضمنة بالدستور. حدد دستور المملكة مجموعة من المبادىءالمؤطرة لشروط تنظيم وتسيير الجماعات الترابية، والمتمثلة أساسا في : • التدبير الحر الذي يخول بمقتضاه للجهة، في حدود اختصاصاتها، سلطة التداول بكيفية ديمقراطية وسلطة تنفيذ مداولاتها ومقرراتها؛ • مبدأ التعاون والتضامن بين الجهات من جهة، وبين هذه الأخيرة والجماعات الترابية من جهة أخرى من أجل بلوغ أهدافها، لا سيما إنجاز مشاريع مشتركة؛ • مبدأ التفريع كأساس لتوزيع الاختصاصات: وهو المبدأ الذي تم الاعتماد عليه في إسناد اختصاصات الجهة، المتفرعة إلى اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة؛ • السلطة التنظيمية للجهة: استنادا إلى الفصل 140 من الدستور، تتوفر الجهات والجماعات الترابية الأخرى في مجالات اختصاصاتها، وداخل دائرتها الترابية، على سلطة تنظيمية لمباشرة صلاحياتها، يمارسها رئيس مجلس الجهة بعد مداولات المجلس، بموجب قرارات تنشر بالجريدة الرسمية للجماعات الترابية.
II-المضامين الأساسية للقانون التنظيمي. 1) المبادىء الأساسية المعتمدة: كما أسلفنا، حرص المشرع المغربي على اعتماد مجموعة من المبادىء الأساسية لتنظيم الجهة تتمثل أساسا في التموقع المؤسساتي للجهة داخل التنظيم اللامركزي للمملكة، وإقرار مبادىء التدبير الحر والتفريع والتعاون والتضامن بين الجهات من الجهة وبين هذه الأخيرة وباقي الجماعات الترابية من جهةّ أخرى، فضلا عن اعتماد التصويت العلني كقاعدة لانتخاب رئيس وأجهزة المجلس ولاتخاذ جميع مقررات المجلس، وأخيرا التنصيص على اختصاص القضاء وحده في جميع المنازعات المتعلقة بتسيير المجالس (العزل، الحل، بطلان المداولات، إيقاف تنفيذ المقررات والقرارات).
III-المقتضيات المتعلقة بتنظيم المجالس وتسييرها. سعيا إلى تحديث أداء مجالس الجهة وتسييرها، تضمن القانون التنظيمي عدة مقتضيات تتمثل أساسا في :
– الترشيح لمنصب رئيس المجلس من بين المرتبين على رأس اللوائح الفائزة بمقاعد حصريا؛ – إيداع الترشيحات لرئاسة المجلس، خلال الخمسة (5) أيام الموالية لانتخاب أعضاء المجلس، لدى والي الجهة الذي يسهر على العملية؛ – انتخاب الرئيس في الدور الأول أو الثاني بالأغلبية المطلقة للأعضاء المزاولين مهامهم ، وبالأغلبية النسبية في دور ثالث؛ – انتخاب نواب الرئيس عن طريق الاقتراع باللائحة؛ – تنافي مهام رئيس الجهة ونوابه مع مهام رئيس أو نائب رئيس جماعة ترابية أخرى أو غرفة مهنية؛ – إحداث على الأقل ثلاث لجان دائمة؛ - تخصيص رئاسة إحدى اللجان الدائمة للمعارضة؛ – اتخاذ مقررات المجالس بالأغلبية المطلقة للأصوات المعبر عنها، ما عدا في قضايا معنية يشترط فيها الأغلبية المطلقة للأعضاء المزاولين مهامهم: كالميزانية وبرنامج التنمية الجهوية وطرق تدبير المرافق العمومية …
IV-النظام الأساسي للمنتخب. ضمانا لحسن سير مصالح الجهة، حرص المشرع المغربي على تحيين الوضعية الاعتبارية والمادية للمنتخب لتمكينه من أداء مهامه في ظروف ملائمة وتحديد أدق لواجباته، وذلك من خلال: -إقرار تعويض عن التمثيل والتنقل بالنسبة للرئيس ونوابه وكاتب المجلس ونائبه ورؤساء اللجان الدائمة و نوابهم ؛ -إقرار حق استفادة أعضاء المجلس من التكوين المستمر؛ -استفادة أعضاء المجلس من رخص للتغيب لحضور أشغال المجلس ولجانه ودورات التكوين؛ -إجبارية حضور دورات المجلس، وإقالة العضو الذي تغيب 3 دورات متتالية؛ -تجريد العضو المنتحب الذي تخلى خلال مدة الانتداب عن الانتماء السياسي الذي ترشح باسمه من صفة العضوية في المجلس.
V-اختصاصات الجهة. 1) الاختاصاصات الذاتية : تشمل الاختصاصات الذاتية للجهة على المجالات التالية: – إعداد برنامج التنمية الجهوية يتضمن تشخيصا للحاجيات وتحديدا للأولويات وتقييما للموارد والنفقات التقديرية؛ – التنمية الاقتصادية : وتشمل أساسا الميادين ذات الأولوية: دعم المقاولات، جذب الاستثمار، تهيئة الطرق وإنعاش الاقتصاد الاجتماعي والمنتجات الجهوية؛ – التنمية القروية؛ – تنظيم خدمات النقل؛ – الثقافة والبيئة؛ – التكوين المهني والتكوين المستمر؛ – التعمير وإعداد التراب.
2) الاختصاصات المشتركة: يمكن للجهة بمبادرة منها، تمويل إنجاز مرفق أو تجهيز مشروع لا يدخل ضمن اختصاصاتها الذاتية إذا تبين أنه يساهم في بلوغ الأهداف المتوخاة وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والقروية المنشودة.
3) الاختصاصات المنقولة: في إطار تمكين الجهات من تحقيق التنمية وبلوغ الأهداف المسطرة، يمكن للدولة نقل بعض اختصاصاتها إلى الجهات، شريطة تحويل وتنصب هذه الاختصاصات أساسا على الميادين التالية: -التجهيزات والبنيات التحتية؛ -الصناعة والتجارة ؛ -التعليم والصحة والثقافة والرياضة؛ -الطاقة والماء والبيئة.
VI-صلاحيات المجلس ورئيسه. 1) صلاحيات المجلس: يتداول المجلس في كل القضايا المتعلقة باختصاصات الجهة، المرتبطة بالمجالات التالية: – التنمية الجهوية وإعداد التراب والمرافق العمومية، من خلال وضع برنامج التنمية الجهوية وإحداث المرافق العمومية التابعة للجهة وإحداث شركات التنمية الجهوية؛ – التعاون والشراكة، من خلال إبرام اتفاقيات مع القطاع العام والخاص والمساهمة في إحداث مجموعات الجهات ومجموعات الجماعات الترابية أو الانضمام إليها أو الانسحاب منها؛ – المالية والجبايات والأملاك، وتشمل إعداد الميزانية وتحديد سعر الرسوم والأتاوى ومختلف الحقوق التي تقبض لفائدة الجهة وتدبير أملاك الجهة والمحافظة عليها وصيانتها، فضلا عن اقتناء العقارات اللازمة لممارسة المهام الموكولة إليها.
2) صلاحيات رئيس المجلس: يمارس رئيس المجلس السلطة التنظيمية بموجب قرارات تنشر بالجريدة الرسمية للجماعات الترابية، وكذا السلطة التنفيذية باعتباره المسؤول عن تنفيذ مداولات ومقررات المجلس. وفي هذا الإطار يتولى رئيس المجلس الصلاحيات التالية: • إبرام صفقات الأشغال والتوريدات والخدمات ويصادق عليها؛ • تسيير مصالح الإدارة والتعيين في المناصب الإدارية. هذا، ويجوز للرئيس تفويض بعض صلاحياته لنوابه في قطاع محدد لكل نائب باستثناء التسيير الإداري والأمر بالصرف.
VII-النظام المالي للجهات. عمل مشروع القانون التنظيمي للجهات على تطوير ماليتها بما يمكنها من تحقيق مشاريعها وفق قواعد التدبير العصري، وفي هذا الشأن تم التنصيص على ما يلي: • تخويل رئيس المجلس صفة آمر بالصرف لميزانية الجهة؛ • اعتماد البرامج والمشاريع في تبويب الميزانية؛ • إعداد الميزانية على أساس برمجة تمتد على 3 سنوات. هذا، وتتوفر الجهة على موارد وبالمقابل تتحمل تكاليف : 1) الموارد تنقسم الموارد إلى موارد محولة وذاتية وأخرى متأتية من صندوقي التأهيل الاجتماعي والتضامن بين الجهات: أ) الموارد المحولة: وترتبط أساسا بالاختصاصات المنقولة إليها من طرف الدولة، فضلاعن تلك المنصوص عليها بموجب قوانين المالية: -%5 من حصيلة الضريبة على الشركات؛ -%5 من حصيلة الضريبة على الدخل؛ -%20 من حصيلة الرسم على عقود التأمين. ب) المواد الذاتية: وتشمل أساسا حصيلة الضرائب والرسوم المأذون للجهة بتحصيلها، حصيلة بيع العقارات والمنقولات، حصيلة الغرامات، فضلا عن الإمدادات الممنوحة من قبل الدولة وغيرها…..
ج) موارد صندوقي التأهيل الاجتماعي والتضامن بين الجهات: – صندوق التأهيل الاجتماعي: يهدف هذا الصندوق إلى سد العجز في مجالات التنمية البشرية والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات، لا سيما في مجال الماء الصالح للشرب والكهرباء، السكن غير اللائق، الصحة، التربية وشبكة الطرق والمواصلات. ويعتبر رئيس الحكومة آمرا بقبض مداخيل وصرف نفقات هذا الصندوق.
– صندوق التضامن بين الجهات: يهدف هذا الصندوق إلى ضمان التوزيع المتكافئ للموارد قصد التقليص من التفاوتات بين الجهات؛ ويعتبر وزير الداخلية آمرا بقبض مداخيل وصرف نفقات هذا الصندوق.
2) تكاليف الجهة: تشمل تكاليف الجهة على : -نفقات الميزانية؛ -نفقات الميزانيات الملحقة؛ -نفقات الحسابات الخصوصية. وتنقسم هذه النفقات إلى نفقات التسيير ونفقات التجهيز.
VIII-القواعد المالية لربط المسؤولية بالمحاسبة. حرص القانون على ضمان حسن تدبير الأموال العمومية، وذلك من خلال إدراج مجموعة من الضوابط، لعل أهمها: - خضوع مالية الجهة لمراقبة المجالس الجهوية للحسابات؛ – خضوع العمليات المالية والمحاسباتية للجهة لتدقيق سنوي تنجزه بشكل مشترك المفتشية العامة للمالية والمفتشية العامة للإدارة الترابية؛ – إبرام صفقات الجهة طبقا للنصوص التطبيقية المتعلقة بالصفقات العمومية، في إطار احترام حرية الولوج إلى الطلبية العمومية والمساواة في التعامل مع المتنافسين والشفافية في اختيار صاحب المشروع وفقا لقواعد الحكامة الجيدة. VIV-المراقبة الإدارية: تميز القانون التنظيمي بتعزيز مبدأ التدبير الحر بالنسبة للجهة، من خلال حصر المراقبة الإدارية المنصوص عليها دستوريا في مجال المشروعية، فطبقا للفصل 145 من الدستور تنحصر ممارسة والي الجهة في المراقبة الإدارية على مشروعية قرارات رئيس المجلس ومقررات المجلس. هذا، وارتباطا بهذا المبدأ، يختص القضاء وحده بحل المجلس وبالتصريح ببطلان المداولات وإيقاف المقررات والقرارات المتخذة خرقا لأحكام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.