اللاتمركز الإداري دعامة أساسية في إنجاح الجهوية المتقدمة(1/2)


إعداد: رشدي عبدالعزيز

 دكتور في القانون العام

باحث في قضايا التعمير والإدارة المحلية

 لقد تطورت الظروف العالمية وعرفت تحولات كبيرة على جميع الأصعدة  والمستويات وتطور معها بشكل  متلازم مفهوم الدولة سياسيا واقتصاديا وإداريا ، بحيث لم تعد مبررات المركزية قائمة، لا من الناحية التاريخية، ولا من الناحية السياسية، ولا التنظيمية، فإداريا فشلت الدولة  في تحقيق أهدافها ، وسياسيا لم تعد الدولة بمفهومها المركزي، قادرة على إرساء قواعد الديمقراطية، التي تقتضي القرب من المواطن وإشراكه  في تسيير شوؤنه.

من هنا اتجهت جميع الدول ، ومن بينها المغرب نحو إرساء دعائم الإدارة المحلية، وتكريس التنمية الترابية ونهج أساليب التنظيم الإداري الحديث ، والمتمثلة أساسا في اللاتركيز الإداري  إلى جانب اللامركزية، ولم تأت تلك الأهمية من فراغ خاصة في الدول النامية مثل المغرب  بل نتيجة حتمية تطورات وطنية ودولية ، أملتها ظروف ومعطيات معينة، استوجبت إحداث وحدات ترابية مبادرة ونشيطة وفعالة وساهرة على تدبير الشأن العام المحلي ومساهمة في تحقيق التنمية الترابية . [1] 

إن التنمية الترابية تعتبر بعدا من أبعاد التدبير العمومي ورهان من  رهانات اللامركزية واللاتمركز، حيث تسعى من خلالهما الدولة  ، لتجويد الحكامة وخلق أقطاب للتنمية المحلية  تخفيفا للعبء عن السلطات المركزية، وتكريسا لإدارة القرب، ويتجلى ذلك أساسا في منح مجموعة من الصلاحيات والاختصاصات ، والموارد للمسؤولين المحليين منتخبين ومعينين وفي العديد من الميادين المتعلقة بالتنمية خاصة  فيما يتعلق منها بالمجال الاقتصادي والاجتماعي.

يمكن القول أن المركزية كنظام إداري، ظلت لعقود تتحكم في كل القرارات في مجموع التراب الوطني، في حين بقيت المصالح اللاممركزة مهمشة ولا تشارك في إعداد سلطة القرار، هذه السلطة اللاممركزة ارتبطت بنظام رقابة تسلسلي ، وبالتالي فالمركزية يمكن القول عنها بداهة أنها كانت مركزية مفرطة لا تتوافق مع رهانات التدبير العصري والفعال للإدارة العمومية.[2]   

  لقد ظلت المقاربة الأحادية للتنمية المبنية على التدبير الممركز، والتي كان المغرب قد تبناها بعد الاستقلال فاشلة تنمويا، فهي لم تؤدي إلى تنمية حقيقية، ولم تفسح المجال للمشاركة في المشاريع التنموية، كما أنها  لم ترفع من مستوى دخل الدولة كما كان منتظرا ، ولا شك أن ذلك راجع على كون التنمية المحلية يصعب تحقيقها من الأعلى، بل لابد من وجود إدارة قريبة وفعالة تربط الدولة بالمجتمع المحلي، مع منحها  من الاختصاصات والصلاحيات ، مما يجعلها قادرة على النهوض بأدوارها  التنموية.

إن العائق الأساسي  الذي كان دائما يعترض التنمية الترابية في المغرب ، وقيام حكامة محلية حقيقية هو رغبة احتكار السلطة، والعقلية القائمة على المركزية المتحجرة الموجودة لدى مسؤولي الإدارة المركزية ، وهو ما يؤكده جلالة الملك في العديد من خطاباته ، وذلك عندما قال ” .. كما نهيب بالحكومة ، إلى إعداد ميثاق وطني لعدم التمركز يتوخى إقامة نظام فعال لإدارة لا ممركزة، يشكل قطيعة حقيقية مع المركزية  المتحجرة…”.[3]

صحراء

إن متطلبات التنمية الترابية والبحث عن مقاربة دقيقة لحل المشاكل الجهوية  والمحلية من طرف السلطات السياسية والإدارية   التي تملك نظرة واقعية وشاملة حول المعطيات البشرية والتقنية ، حتمت عليها البحث عن مسلسل تدريجي لعدم التمركز مع أسلوب التنسيق يكون أفقيا وأكثر امتدادا حتى يحقق الانسجام المطلوب بين مختلف المتدخلين نفسها، من أجل ربح الوقت وتخفيض التكاليف  وتفادي تضارب الاختصاصات. ومهما وضع من تصورات للجهوية المتقدمة ، فلن تعرف النجاح المطلوب، ولن تذهب بعيدا في تحقيق الأهداف المعلقة عليها إذا لم تواكب وتدعم بلاتمركز حقيقي، وفعلي، وواسع، وله سلطة التقرير[4]

    إن اعتبار الجهة كفضاء جديد للتنمية جاء نتيجة فشل الإطار الاقليمي في النهوض بمستوى التنمية حيث أن اللاتمركز انطلاقا من المستوى الاقليمي أثبت محدوديته وعدم ملاءمته ومن هنا فرضت الجهة نفسها كإطار جديد ومجال مناسب لسياسة اللاتركيز، حيث اعتبر  جلالة الملك  محمد السادس في الرسالة  الموجهة للوزير الأول  المتعلقة بالتدبير اللامتمركز للاستثمار في 9 يناير 2002 : ” إن من شأن الإطار الجهوي أن يوفر المجال الترابي والإداري الأنسب“.

     وحسب العديد من الباحثين[5] فإن اختيار العمالة  كإطار مفضل للاتمركز  بالمغرب لم يكن اختيارا موفقا، والدليل على ذلك بالإضافة إلى انعدام التوازن بين خلق وتنصيب التمثليات  الوزارية هي المراجعات المتتالية التي عرفها التقسيم الإداري للمملكة فلقد أصبحت العمالات والأقاليم تفقد أهميتها عمليا في خدمة التنمية حيث تعتبر من جهة إطار ضيق لا يستوعب كل ما تقتضيه سياسية حقيقية في ميدان اللاتمركز، ومن جهة أخرى كما يقول أحد الباحثين[6] إطار واسع لا يصلح لحل المشاكل الدقيقة بل وحدات أرضية لا تصلح كإطار يتوافق ومتطلبات التنمية فالدور الاقتصادي للإقليم لم يعط النتائج المتوخاة خاصة بالنسبة للأقاليم الحديثة. وهو ما دفع الدولة إلى البحث عن أفق جديد لتدعيم  مقاربتها الشيء الذي تحقق بظهور الجهوية المتقدمة في دستور 2011 بعد إخفاق التجربة الأولى سنة 1997، وبالتالي أصبحت الجهة فضاء جديدا لتدعيم اللاتمركز الواسع وتبويئها صدارة الإدارة الترابية.

  إن التجسيد الفعلي للاتركيز الإداري باعتباره الدعامة الأساسية لحكامة اتخاذ القرار على الصعيد المحلي، حالت عدة عوائق دون تحقيقه، من بينها عدم وجود مستوى موحد لتوزيع المهام والاختصاصات التي تقوم بها المصالح اللاممركزة، بالإضافة إلى ضعف في المهام المفوضة إلى هذه المصالح وضيق في مجال تدخلها ومبادرتها، وتكون بالتالي ملزمة هي والمتعاملين معها بالرجوع في عدد كبير من القضايا إلى المصالح المركزية، مما يؤثر سلبا على السرعة والفعالية في الأداء اللذان يعتبران عماد الحكامة في اتخاذ القرار.[7]

ولأجل تجاوز الاختلالات والإشكالات القانونية التي عرفها اللاتركيز الإداري ، وبعد تجربة عقدين من الزمن،  جاءت المصادقة مؤخرا من طرف[8] الحكومة على مشروع المرسوم رقم 618.17.2 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الاداري،   والذي يعتبر إصلاحا مهما ومهيكلا سيتم تنفيذه بشكل تدريجي ووفق خارطة طريق سيتم وضعها.

 ولابد من الإشارة هنا إلى أن هذا المشروع  يأتي تنفيذا للتوجيهات الملكية الواردة في العديد من الخطب كان أخرها خطاب عيد العرش لسنه 2018 ،كما يأتي أيضا استنادا لمقتضيات دستور 2011 والذي بوأ الجهة مستوى الصدارة بين مختلف الفاعلين المحليين وجعلها فضاء للحوار و التشاور و مجالا لإعداد السياسات العمومية ولبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية جهويا ومحليا.

   وفي هذا الإطار يأتي هدا المقال  لإبراز  دور ميثاق اللاتمركز الإداري  في النهوض بالجهوية المتقدمة كورش كبير للتنمية الترابية.

  بناء على ذلك ، يحاول هذا المقال مقاربة الموضوع من خلال التساؤل التالي : كيف يمكن للميثاق الجديد للاتمركز الإداري أن يكون مدخلا محوريا وأداة أساسية  لإنجاح الجهوية المتقدمة ؟.

انطلاقا من  الإشكالية المطروحة، يسعى المقال فهم أبعاد الميثاق الجديد للاتمركز الإداري  وتحديد مفهومه  ومرجعيته وأهدافه  المحورية، وكذلك إلى أي حد يمكن أن يكون أداة أساسية لإنجاح الجهوية المتقدمة باعتبارها الفضاء الملائم لصياغة السياسات الوطنية للاتمركز الإداري، وبالنظر لما تحتله من مكانة الصدارة في التنظيم الإداري للمملكة.

 وعليه سيتم تقسيم هدا الموضوع إلى  مبحثين:

المبحث الأول ؛ أتناول فيه ميثاق اللاتمركز ،  المفهوم، والمرجعية ، والأهداف المحورية   .

المبحث الثاني، أتناول فيه دور ميثاق اللاتمركز الإداري في تدعيم الجهوية المتقدمة وتحديات التفعيل

 كوالالمبور

المبحث الأول : ميثاق اللاتمركز الإداري ، المفهوم ، المرجعية، والأهداف  

المطلب الأول : المفهوم والإطار المرجعي لسياسة  اللاتمركز الإداري 

 الفقرة الأولى: مفهوم اللاتمركز الإداري

  يعتبر اللاتمركز الإداري لمصالح الدولة تنظيما إداريا مواكبا  للتنظيم الإداري الترابي  اللامركزي للمملكة القائم على الجهوية المتقدمة، وأداة رئيسية لتفعيل السياسة العامة للدولة على المستوى الترابي، قوامه نقل السلط والوسائل والإمكانيات وتخويل الاعتمادات لفائدة المصالح اللاممركزة على  المستوى الترابي، من أجل تمكينها من القيام بالمهام المنوطة بها واتخاذ المبادرة  تحقيقا للفعالية والنجاعة. ( المادة 3 من المرسوم رقم 2.17.618 ).

 فالمقصود باللاتمركز الإداري هو عدم تركيز السلطة وتوزيعها بين البنيات والمستويات الإدارية المختلفة في التنظيم الإداري على مستوى الدولة. وتتمثل مهمته الأساسية في نقل اختصاصات الإدارة المركزية إلى الإدارات البعيدة عنها جغرافيا للقيام بمهام محددة أسندتها إليها، باستثناء طبعا، تلك التي لا يمكن تفويضها بموجب نصوص تشريعية أو تنظيمية، وكذا تخويل المصالح الجهوية والإقليمية صلاحيات اتخاذ القرارات وفق منظومة تفويض السلطة أو الإمضاء، الأمر الذي يسمح من جهة أولى بالتخفيف من العبء عن الإدارات المركزية والسرعة في اتخاذ القرارات وإنجاز البرامج على المستوى المحلي، عوض انتظار قرار القيادة المركزية. ومن جهة أخرى، يضمن سهولة التنسيق بين الإدارات في الجهة أو الإقليم، ويحفز المسؤولين المحليين من خلال إتاحة الفرصة لهم بالمشاركة في عمليات اتخاذ القرار.

 فالمفهوم الواسع للاتمركز هو أن يكون للوحدات الإدارية في العمالات والأقاليم والتابعة للسلطة المركزية حرية التصرف بكيفية مستقلة في  ممارسة اختصاصاتها وبعيدا عن الوزارات ومكاتب الوزراء دون الرجوع إليها.

 والجدير بالذكر ، أنه في إطار المفهوم الواسع، فإن اللاتمركز لم يعد يقتصر على الميدان الإداري، ولا مجالا خاصا بالإداريين، بل إن اللاتمركز يشمل حتى الميدان الاقتصادي، بمعنى أن اللاتمركز مرتبط بعدم التركيز الاقتصادي، لأن الهدف يبقى في الأخير هو تحقيق التنمية بجميع القطاعات في جميع أنحاء البلاد.

الفقرة الثانية :  الإطار المرجعي والتنظيمي   لميثاق اللاتمركز الإداري

 بداية لا بد أن نشير إلى أن اللاتمركز الواسع أخد حيزا مهما في  العديد من الخطب الملكية ، فقد أكد جلالة الملك محمد السادس مند توليه العرش على أهمية  التلازم بين اللامركزية و اللاتمركز الإداري ، معتبرا هذا الأخير أداة حقيقية للتنمية الترابية ولتفعيل سياسة القرب، فقد جاء في خطابه بمناسبة تعيين اللجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة ليوم الأحد 03 يناير 2010 الإطار العام للجهوية المقبلة في أربع نقاط ، على اعتبار أن  النقطة الرابعة هي المحدد الأساسي لطبيعة الجهوية المقبلة، حيث جاء في الخطاب (….) ” انتهاج اللاتمركز الواسع ” الذي لن تستقيم الجهوية بدون تفعيله ، في نطاق حكامة ترابية ناجعة، قائمة على التناسق والتفاعل.

 لقد نبه الملك الحكومة على البطء في إعداد الميثاق وطني للاتمركز الإداري حيث قال عنه جلالته ” ما فتئنا ندعو إليه منذ أزيد من عشر سنوات”، وطالبها في خطاب افتتاح البرلمان سنة 2013 بالإسراع باعتماد ” ميثاق اللاتمركز الإداري ، وهو الميثاق الذي سبق أن دعونا إليه عدة مرات”.

   كما  حثَ الملك محمد السادس  في خطابه الذي ألقاه  بمناسبة عيد العرش بتاريخ 29 يوليوز 2017، “…على ضرورة الارتقاء بالإدارة العمومية ،  لتكون أداة في خدمة المواطن أينما كان، وفي العديد من المناطق التي  تحتاج إلى مزيد من الخدمات الإدارية والاجتماعية، كما حث على ضرورة إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار لتصبح أداة للنجاعة والفعالية وتحريك الاستثمار على المستوى الجهوي، دون حاجة المواطنين للتنقل إلى الإدارة المركزية…”.

    وبمناسبة  افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية 2017 -2018 ، أكد جلالة الملك أمام أعضاء البرلمان  على  ” ضرورة إخراج ميثاق متقدم للاتمركز الإداري، وتحديد برنامج زمني دقيق لتطبيقه 

   وتماشيا مع الأهمية التي يحظى بها اللاتمركز الإداري تم التنصيص عليه دستوريا، كما ورد تضمينه بالتصريح الحكومي، علاوة على خضوعه للتأطير بنصوص تنظيمية متعددة.

    استند المشروع إلى الدستور، خاصة الفصل 145  الذي ينص على ” أن الولاة والعمال يقومون تحت سلطة الوزراء المعنيين بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية ويسهرون على حسن سيرها”، مما يظهر المكانة التي خولها المشرع الدستوري للاتمركز ضمن النسيج الإداري للمملكة.

أما عن المستوى السياسي فنتوقف عند التصريح الحكومي الذي ألقي أمام البرلمان بتاريخ 17/04/2017  الذي نص على إرساء الجهوية المتقدمة وتعزيز اللامركزية و اللاتمركز، واعتماد مشروع طموح للاتمركز الإداري مواكب للجهوية واللامركزية، مع تبني المقاربة المجالية المندمجة في برمجة الميزانية العامة للدولة عوض الاكتفاء بتوزيع الاعتمادات على مختلف الوزارات،  والرفع من الأداء والارتقاء بالمرفق العام إلى مستوى النجاعة والفعالية والمردودية العالية للقيام بخدمة المواطنين والصالح العام.

كما جاء في الرسالة التوجيهية لرئيس الحكومة بخصوص مشروع قانون المالية لسنة 2017 ، أنه ينبغي العمل على التنزيل السريع للاتمركز الإداري بما يضمن الانسجام وفعالية تدخلات الدولة والجماعات الترابية ويساهم  في توطيد دينامية انبثاق الأقطاب الجهوية وجعلها قاطرة للتنمية الاقتصادية والإدماج الاجتماعي .

 المطلب الثاني :  مرتكزات و أهداف ميثاق اللاتمركز الإداري

  الفقرة الأولى : مرتكزات سياسة اللاتمركز  الإداري    

     مواكبة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية التي تعرفها المملكة، شهد التنظيم  اللامركزي تطورا نوعيا على قدر كبير من الأهمية تمثل في صدور القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات والقانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم والقانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات.

  ومما لا شك فيه، فإن اتساع مجال الصلاحيات المخولة للجماعات الترابية لاسيما على المستوى الجهوي وأهمية الموارد البشرية والمالية التي وضعت رهن إشارتها، تطلبت النهوض باللاتمركز الإداري ووضع رؤية جديدة لتدخل الإدارات اللاممركزة  للدولة، تحت إشراف والي الجهة، على المستوى الترابي

  :تقوم سياسة اللاتمركز الإداري على المرتكزين الأساسيين التاليين

المرتكز الأول:  يعتبر  الجهة الفضاء الترابي الملائم لبلورة السياسة الوطنية للاتمركز الإداري، مع تفويض الدور المحوري لوالي الجهة، باعتباره ممثلا للسلطة المركزية بالجهة، من خلال دور تنسيق أنشطة مختلف المصالح، والسهر على حسن سيرها ومراقبتها، تحت سلطة الوزراء المعنيين.

المرتكز الثاني : يتجلى  في الدور المحوري  لوالي الجهة ، باعتباره ممثلا للسلطة المركزية على المستوى الجهوي، في تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة، والسهر على حسن سيرها ومراقبتها، تحت سلطة الوزراء المعنيين  بما يحقق النجاعة والفعالية والالتقائية المطلوبة في تنفيذ السياسات العمومية على مستوى الجهة وتتبعها.

 وقد كرس مرسوم 2.17.618 بمثابة ميثاق للاتمركز الإداري الاهتمام المتزايد بالولاة والعمال بتفعيل دورهم كمحرك أساسي لنظام اللاتمركز الإداري في إطار السلطة التنسيقية المخولة لهم في إطار العلاقة الأفقية للعامل والوالي بالمصالح اللاممركزة بمقتضى المادة 26 من المرسوم المشار إليه أعلاه.

 وحمل المرسوم رقم 2.17.618 مقاربة جديدة ذات أبعاد متكاملة، تروم مراجعة الأدوار والوظائف والعلاقات القائمة بين الفاعلين الرئيسيين، وهم المصالح اللاممركزة للدولة في علاقتها بالمصالح المركزية، والعلاقة بينها وبين الولاة والعمال، والعلاقة بين تلك المصالح والجماعات الترابية وباقي المؤسسات الأخرى.

 ومن أهم المستجدات التي نص عليها هذا المشروع، وضع تصاميم مديرية للاتمركز الإداري، تشكل خارطة طريق لعمل المصالح اللاممركزة، وكذا تخويل المصالح اللاممركزة للدولة صلاحيات تقريرية، وتحديد الاختصاصات المنوطة بمختلف مصالح إدارات الدولة، بالإضافة إلى تحقيق وحدة عمل مصالح الدولة على المستوى الجهوي أو الإقليمي، وإمكانية إحداث تمثيليات إدارية جهوية أو إقليمية مشتركة بين قطاعين وزاريين أو أكثر.

 كما همت المستجدات التي جاء بها هذا المشروع، ترشيد النفقات العمومية من خلال اعتماد مبدأ التعاضد في الوسائل المادية والبشرية، فضلا عن العمل على اتخاذ ما يلزم لتخويل رؤساء المصالح اللاممركزة جهويا، صفة آمرين بالصرف جهويين، وكذا تمكين رؤساء التمثيليات الإدارية اللاممركزة تدريجيا من صلاحيات تدبير المسار المهني للموارد البشرية الخاضعة لسلطتهم عل الصعيدين الجهوي والإقليمي، علاوة على تنظيم مباريات موحدة لتوظيف الأطر المشتركة بين القطاعات الوزارية المعنية للعمل بالمصالح اللاممركزة التابعة لها.

الفقرة الثانية:  أهداف اللاتمركز الإداري

 يستهدف اللاتمركز الإداري أجرأة السياسات العمومية بشكل أكثر نجاعة ، مع تحسين أداء المرافق العمومية على مستوى المجال الترابي، وذلك من خلال نقل السلطة التقريرية ووسائل العمل من المركز إلى على المجال الترابي، واتخاذ القرار على أساس مبدأ القرب من المرتفق وبسرعة وجودة وبأفضل كلفة لفائدة المجتمع.[9] 

يتعلق الأمر بنمط حكامة إدارية يحدوها الحرص على الارتقاء ما أمكن بنجاعة السياسات العمومية ، وتحسين جودة المرفق العمومي وتسهيل ولوج المرتفقين إلى كل الخدمات العمومية الأساسية وإلى الرفاه الاجتماعي.

  وبناء عليه ، فإن ميثاق  اللاتمركز الإداري لمصالح الدولة يهدف إلى تحقيق الأهداف التالية[10] :

 – التطبيق الأمثل للتوجهات العامة لسياسة الدولة في مجال إعادة تنظيم مصالحها على الصعيدين الجهوي والإقليمي، و تحديد المهام الرئيسية الموكولة إلى هذه المصالح؛

 – التوظيف الترابي للسياسات العمومية من خلال اخذ الخصوصيات الجهوية بعين الاعتبار في إعداد هذه السياسات وتنفيذها وتقييمها؛

–  مواكبة التنظيم الترابي اللامركزي للمملكة القائم على الجهوية المتقدمة، والعمل على ضمان نجاعته وفعاليته؛

– إرساء دعائم راسخة ودائمة لتعزيز التكامل في الوظائف والمهام بين المصالح اللاممركزة  للدولة و الهيئات اللامركزية، ولاسيما منها الجماعات الترابية، وذلك من خلال السهر على :

* تفعيل آليات الشراكة والتعاون بينها.

 * تقديم كل أشكال الدعم والمساعدة للجماعات الترابية ومجموعاتها وهيئاتها، ومواكبتها في انجاز برامجها ومشاريعها التنموية.

 – ضمان التقائية السياسات العمومية وتجانسها وتكاملها على الصعيدين الجهوي والإقليمي، وتحقيق التعاضد في وسائل تنفيذها

   –  تحقيق الفعالية والنجاعة في تنفيذ البرامج والمشاريع العمومية التي تتولى مصالح الدولة اللاممركزة الإشراف عليها أو انجازها أو تتبع تنفيذها.

–  تقريب الخدمات العمومية التي تقدمها الدولة إلى المرتفقين وتحسين جودتها وتأمين استمراريتها.


1-   عماد ابركان : النموذج المغربي للتنمية المحلية ومتطلبات الحكامة الترابية، ضمن مؤلف المسالة الترابية ورهان التنمية المستدامة ، منشورات مجلة العلوم القانونية، مطبعة الأمنية ، 2017 ، العدد السادس، ص:  .11

[2] – etine samuel angone- zoc zogo abessolo : l’administration publique marocaine face aux nouvelles techniques de management public, REMALD ,  imprimerie bidaoui sale  , n 142, 2018. P:  190.

 – محمد السادس ، خطاب المسيرة االخضراء بتاريخ 6 نونبر  2008 .[3]

4-  عبدالعزيز أشرقي : الجهوية الموسعة نمط جديد للحكامة الترابية  والتنمية المندمجة، مطبعة النجاح الجديدة،  الدارالبيضاء، الطبعة الأولى ،2011 ، ص: 135

–  عماد أبركان : اللاتمركز الإداري ومتطلبات التحديث بالمغرب ، مرجع سبق ذكره ص:79.[5]

6- إدريس سدود : أي تقسيم جهوي للمغرب ، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 7/8 أبريل ن شتنبر ، 1994 ص: 97 .

–  7-  د . فتيحة بشتاوي : التسويق الترابي ودينامية المجال، منشورات المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، العدد الخاص رقم 9 ، مطبعة النجاح الجديدة ، الدارالبيضاء 2018، الطبعة الأولى،  ص: 283

8-  مرسوم رقم 2.17.618 صادر في 18 من ربيع الآخر 1440( 26 ديسمبر  2018) بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري، جريدة رسمية عدد 6738- 19 ربيع الآخر 1440 ( 27 ديسمبر 2018).

9-  د. نجيب جيري : الجهوية المتقدمة بالمغرب؛ سؤال الدمقرطة  والرهان التنموي، ضمن المؤلف الجماعي: الجهوية المتقدمة واللاتمركز الإداري :  قراءات متقاطعة، منشورات المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية ، العدد الخاص رقم 15 ، مطبعة الأمنية الرباط، 2019، ص: 23.

10-  المادة 7 من مرسوم رقم 2.17.618 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري .

اترك تعليقاً