شهد المغرب خلال السنوات الأخيرة إصلاحات هامة في إطار ترسيخ اللامركزية واللاتمركز، وتدعيم أسس الديمقراطية وبناء صرح التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتكريس العدالة المجالية من خلال توزيع الاختصاصات وتكريس المشاركة المحلية في صناعة القرار.
ويمثل مبدأ التدبير الحر المنصوص عليه في الفصل 136 أحد أهم تجليات الحكامة الترابية التي أقرها دستور 2011، فضلا عن كونه يشكل منعطفا هاما في مسار تعزيز اللامركزية الإدارية، باعتباره يمكن الجماعات الترابية من تدبير شؤونها وبلورة اختياراتها وتنزيل مخططاتها وبرامجها التنموية بكيفية مستقلة، ولا يسمح بتدخل ممثلي السلطة المركزية (الولاة والعمال) في أنشطتها ومهامها إلا في الحدود التي يتيحها القانون.
ذلك أن السلطة المركزية انتقل دورها من الوصاية إلى المساعدة والمصاحبة، حيث أنه طبقا للمادة 145 من الدستور ” يساعد الولاة والعمال رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية”.
لكن مع الابقاء على المراقبة الإدارية المنصبة أساسا على شرعية قرارات رئيس المجلس ومقررات المجلس، وكذا المراقبة القبلية(1) للمقررات ذات الوقع المالي على النفقات والمداخيل والمقرر المتعلق بالميزانية، والمقررات المرتبطة بإحداث المرافق التابعة للجماعة، والتي لا تكون قابلة للتنفيذ إلا بعد التأشير عليها من قبل الوالي أو العامل.
هذا، ويرتكز التدبير الحر للجماعات الترابية على عنصريين أساسيين: أولا: سلطة التداول بكيفية ديمقراطية، ذلك أن مجالس الجماعات الترابية المنتخبة تفصل بمداولاتها بكيفية حرة، في اختصاصاتها وتمارس الصلاحيات الموكولة إليها بموجب القوانين التنظيمية المؤطرة لها؛
ثانيا: تنفيذ مداولات ومقررات المجالس، حيث خولت صلاحيات هذا التنفيذ لرؤساء الجماعات الترابية، شريطة أن تتوافق والأنظمة القانونية المعمول بها وأن تندرج ضمن الاختصاصات المخولة لها و ألا يشوبها عيب من العيوب القانونية، فضلا عن مراعاة التوجهات العامة والقطاعية للدولة والالتزام بحدود ما هو متوفر من موارد مالية.
إذن فالتدبير الحر، سيكمن الجماعات الترابية من ممارسة اختصاصاتها بنوع من الاستقلالية مقابل التقليص من وصاية السلطة المركزية.
غير أن هذا المبدأ يتطلب توفير الموارد البشرية والمالية والتقنية اللازمة، وكذا منتخبين قادرين على استيعاب دورهم الحقيقي في النهوض بالتنمية المحلية وتكريس نهج الحكامة الجيدة التي نص عليها الدستور، ذلك أن الاختصاصات الهامة المنوطة بالجماعات الترابية، لا سيما وضع المخططات والبرامج التنموية تتطلب التوفر على منتخبين لهم مستوى معرفي وعلمي يمكنهم من فهم النصوص القانونية والإلمام ببعض التقنيات التي تحكم التدبير المالي والإداري.
لذا، يتعين في مقابل التنصيص على مبدأ التدبير الحر، وضع آليات للرفع من القدرات المعرفية والعلمية للمنتخب المحلي، وعلى الأحزاب السياسية أن تتحمل مسؤوليتها المنوطة بها دستوريا، والمتمثلة أساسا في تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام.
(1) يتجلى المغزى من هذه المراقبة في ضمان نجاعة السياسات العمومية في هذه المرحلة الجديدة من تدبير الشأن المحلي.